والوجه في إرجاع الوجوب التخييري الشرعي إلى العقلي وكونه متعلّقا بالجامع ، هو أحد أمرين :
الأوّل : ما تقدّم في الإشكال على الوجوبات المتعدّدة من لزوم تعدّد العقاب عند ترك الجميع ، ومن لزوم عدم تحقّق الامتثال عند فعل الجميع ، فإنّ هذه اللوازم لمّا لم يمكن الالتزام بها كان القول بالوجوبات المشروطة باطلا ، فيتعيّن وجود وجوب واحد متعلّق بالجامع بين البدائل.
الثاني : الاعتماد على قانون ( الواحد لا يصدر إلا من واحد ) فإنّ الملاك والغرض إمّا أن يكون متعدّدا بتعدّد البدائل ، فيكون لكلّ حصّة غرض وملاك مستقلّ عن الغرض والملاك في الحصص الأخرى ، وإمّا أن يكون واحدا. والفرض الأوّل باطل جزما ، وإلا لصارت كلّ حصّة من البدائل واجبة تعيينيّا ؛ لأنّ ملاكها مغاير للملاك في الحصص الأخرى والوجوب تابع للملاك ، وهذا الوجوب التعييني مطلق وليس مشروطا لما تقدّم من بطلان ذلك.
فيتعيّن أن يكون هناك غرض وملاك واحد ، ولمّا كان الواحد لا يصدر إلا من واحد فيستحيل أن يكون هذا الغرض الواحد ممّا يصدر من البدائل المتكثّرة ، فيلزم أن تكون هذه البدائل مؤثّرة في هذا الغرض لا بعنوانها الخاصّ ، بل بما هي مصداق لعنوان واحد هو الذي يكون مؤثّرا في الغرض.
وهذا العنوان الواحد إمّا أن يكون عنوانا حقيقيّا فيما إذا أمكن أن يكون بينها جامع ذاتي وإمّا أن يكون انتزاعيّا فيما إذا لم يمكن انتزاع الجامع الذاتي.
وبهذا يتّضح أنّ الوجوب التخييري الشرعي كالعقلي تماما عبارة عن وجوب واحد على موضوع واحد هو الجامع ، يبقى الفرق بينه وبين التخيير العقلي فهو أنّ الشارع في التخيير الشرعي هو الذي يتصدّى لبيان الحصص ؛ لأنّه أحرز أنّ الملاك والغرض يمكن أن يتحقّق بها دون غيرها ، بخلاف التخيير العقلي فإنّ كلّ فرد من أفراد الطبيعة والجامع يكون محصّلا للغرض بوصفه مصداقا لا بعنوانه الخاصّ. وهذا الوجه مقبول ثبوتا أيضا.
الاتّجاه الثالث : التسليم بأنّ الوجوب في موارد التخيير يتعلّق بالجامع دائما ، ولكن يقال : إنّ وجوب الجامع يستلزم الوجوبات المشروطة للحصص والأفراد ،