وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن أم بكر عن أبيها قالت قدمت إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحرث بن الحكم بن أبي العاص .
وإن عثمان ولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلثمائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها .
وأعطى عثمان زيد بن ثابت الأنصاري مئة ألف درهم .
هذه نماذج من تبذير الأمويين أموال المسلمين سقناها على سبيل التمثيل لا الحضر هذا مع العلم أنها حصلت في عهد ثالث الخلفاء الراشدين .
أما نظائرها في عهد معاوية والذين جاؤوا من بعده فقد بلغت حداً يفوق الوصف .
لقد مر بنا القول بأن الفتح الإسلامي قد أصبح ـ في عهد الأمويين ـ وسيلة من وسائل إشغال الناس بالغزو لصدهم عن التحدث في أوضاعهم الداخلية العامه .
وقد اتضح ذلك عندما أخذ الأمر يتفاقم على عثمان بن عفان .
فقد جمع ابن عفان ـ سنة ٣٤ هـ ـ كبار أمرائه للتداول معهم في إيجاد حل للخروج من تلك الأزمة السياسية الحادة وتلك الفتنة الغليظة المظلمة .
فاقترح عبد الله بن عامر ـ على عثمان ـ أن يرسل المسلمين إلى « الجهاد » ويلهيهم بالحرب ويطيل إقامتهم بالثغور .
ويلوح لي أن بعض المسلمين قد انتبه إلى هذه الحيلة فحاول أن يفسدها .
فحمد بن أبي حذيفة (١) ـ الذي آلمته سياسة عثمان ، مثلا قد بدأ يندد به ويحرض على قتله ، رغم صلة القربى التي تجمع بين الرجلين .
« فكان يلقى الرجل عائدا من غزوة الروم فيتخابث ويسأل :
أمن الجهاد ؛ فيجيبه الرجل بنعم . فيشير بإبهامه إلى ناحية الحجاز ويقول :
__________________
١ ـ إبن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس . وعتبة جده هو أبو هند زوج أبي سفيان وأم معاوية . أسره عمرو بن العاص عند ما غزا مصر بعد النهروان وقتل محمد بن أبي بكر عامل علي عليها . فأخذه معاوية وسجنه . غير أنه هرب من السجن . فلحق به عبيد الله بن عمرو ابن ظلام ـ وهو رجل من خثعم ـ فقتله .