أما زياد بن سمية والحجاج بن يوسف فلم يدركا النبي ليساهما في إيذائه . ولكنهما نالا من تعاليمه ودينه بقدر ما نال ابن العاص من شخصه الكريم .
فقد عاث هذان الأميران الفاجران في الأرض فسادا وعبثا بأرواح المسلمين وممتلكاتهم وعقائدهم .
فقتلا من قتلا وحبسا ونفيا وعذبا من المسلمين عدداً كبيراً .
وقد مر بنا ذكر جانب من تصرفات ابن سمية وطرفا من سلوك أمه التي كانت من ذوات الرايات .
ذكر الطبري : أن زياد بن أبيه حينما كان واليا على البصرة « كان يؤخر صلاة العشاء . . . ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج فيخرج . ولا يرى إنساناً إلا قتله . قال : فلقى ليلة إعرابياً فأتى به زياداً فقال : هل سمعت النداء ؟ قال لا والله . قدمت بحلوبة لي وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع . فأقمت لأصبح ولا علم لي بما كان من الأمر . قال : اظنك ـ والله ـ صادقاً ولكن في قتلك صلاح هذه الأمة . ثم أمر به فضربت عنقه .
كان زياد أول من شد أمر السلطان وأكد الملك لمعاونه والزم الناس لطاعته وتقدم في العقوبة وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة (١) .
والغريب في الأمر إن أبسط العقوبات الشائعة في العهد الأموي هي القتل . وكان ينبغي أن تكون تلك العقوبة آخر العقوبات حسب تعاليم الدين والعرف السياسي الشائع . وأغرب من ذلك أن القتل كان يجرى على التهمة ودون محاكمة أو سماع لوجهة نظر المتهم .
__________________
١ ـ « تاريخ الأمم والملوك ٧ / ٢١٧ .