كنتم رعاة بين الإبل والغنم فحملتم القنا في الحضر بفضل عادتكم لحملها في السفر .
وحملتموها في المدر بفضل عادتكم لحملها في الوبر .
وحملتموها في السلم بفضل عادتكم لحملها في الحرب . وبطول اعتيادكم لمخاطبة الإبل جف كلامكم وغلظت مخارج أصواتكم حتى كأنكم إنما تخاطبون الصمان إذا كلمتم الجلساء . وإنما جل قتالكم بالعصى ، ورماحكم من مران وأسنتكم من قرون البقر .
وتفخرون بطول القناة ولا تعرفون الطعن والمطارد . وإنما لقنا الطوال للرحالة والقصار للفرسان والمطارد لصيد الوحش . وتفخرون بطول الرمح وقصر السيف .
فلو كان المفتخر بقصر السيف الراجل ـ دون الفارس ـ لكان الفارس يفخر بطول السيف ، وإن كان الطول في الرمح إنما صار صوابا لأنه ينال به البعيد ولا يفوته العدو ، ولأن ذلك يدل على شدة أسر الفارس وقوة أيده . فكذلك السيف العريض الطويل .
وكنتم تتخذون للقنا زجا وسنانا حين لم يقبض الفارس منكم على أصل قناته .
وكنتم لا تقاتلون بالليل ولا تعرفون البيات ولا الكمين (٢) . »
ثم ينتقل الجاحظ ـ بعد أن ذكر مطاعن الشعوبية على العرب ـ إلى الرد عليهم . فيقول في الكتاب الآنف الذكر (٢) :
__________________
١ ـ المطارد جمع مطرد وهو الرمح القصير . الزج حديدة مدببة تركب في أسفل الرمح . البيات الايقاع بالعدو ليلا . الصمان جمع أصم . المران نوع من الشجر .
٢ ـ البيان والتبيين ٣ / ١٤ ـ ٢٨ .