وشعر بالموت ـ ( فزت ورب الكعبة ) ـ فأطلقها صيحة ، لا شعورية ، مرحباً بلقاء ربه لأنه كان عف اللسان واليد والقلب .
ذلك جانب من جوانب فلسفة الأمويين في الحكم .
وقد وضع معاوية بن أبي سفيان أصبعه على موطن الداء في الحكم الأموي .
ومعاوية بالطبع أعرف بدخائل ذلك الحكم من غيره ـ حين قال ـ عندما تلقاه رجال من قريش بعد عام الجماعة فقالوا :
الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلا كعبك ـ ( أما بعد فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي . ولكني جالدتكم بسيفى هذا مجالدة . ولقد رضت لكم نفسي على عمل ابن أبي قحافة وأردتها على عمل عمر ، فنفرت من ذلك نفاراً شديداً . وأردتها على ثنيات عثمان ، فأبت . فسلكت بها طريقاً لي ولكم فيه منفعة ـ مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة . فان لم تجدوني خيركم فإني خير لكم ولاية .
يا أهل المدينة إقبلونا بما فينا . فان ما وراءنا شر لكم . وإن معروف زماننا هذا منكر زمان قد مضى ، ومنكر زماننا معروف زمان لم يأت (١) » .
ومما يلفت النظر حقاً أن الأمويين وولاتهم لم يصغوا لنصح الناصحين من المسلمين وقد مر بنا موقف من مواقف عبد الملك في هذا الشأن . وهناك أمثلة أخرى كثيرة من هذا القبيل .
خطب الحجاج متذمراً من أهل العراق « فقال : له جامع المحاربي أما إنهم لو أحبوك لأطاعوك . على أنهم ما شنئوك لنسبك ولا لبلدك ، ولا لذات نفسك فدع عنك ما يباعدهم منك إلى ما يقربهم إليك .
فقال الحجاج : ما أراني أرد بني اللكيعة إلى طاعتي إلا بالسيف .
__________________
١ ـ ابن عبد ربه : « العقد الفريد » ٢ / ٣٦١ .