القول الثالث : أنّ دلالة الأمر على الوجوب بالإطلاق وقرينة الحكمة. وتقريب ذلك بوجوه :
القول الثالث : أنّ دلالة الأمر مادّة وهيئة على الوجوب ليست بالدلالة الوضعيّة كما هو المشهور ، وليست بحكم العقل كما هو مسلك الميرزا ، وإنّما الأمر يدلّ على الوجوب بالإطلاق وقرينة الحكمة ، والتي هي دلالة عامّة نوعيّة ، وتقريب الاستدلال بقرينة الحكمة من وجوه ثلاثة :
أحدها : أنّ الأمر يدلّ على ذات الإرادة ، وهي تارة شديدة كما في الواجبات ، وأخرى ضعيفة كما في المستحبّات. وحيث إنّ شدّة الشيء من سنخه بخلاف ضعفه فتتعيّن بالإطلاق الإرادة الشديدة.
التقريب الأوّل : ما ذكره المحقّق العراقي من أنّ الأمر بمادّته يدلّ على صرف الطلب وبصيغته على النسبة الإرساليّة بين الفاعل والمبدأ ، وحيث إنّ الطلب والإرادة متّحدان فالأمر بمادّته يدلّ على مفهوم الإرادة الصرفة ، وبصيغته يدلّ على الإرادة أيضا بتوسّط النسبة الإرساليّة حيث إنّه يستبطن الطلب.
وحينئذ فالأمر بمادّته وصيغته يدلّ على الطلب والإرادة المحضة الصرفة. وهذه الإرادة تارة تكون شديدة كما في الواجبات ، وأخرى تكون ضعيفة كما في المستحبّات. وهذا يعني أنّ الوجوب هو الإرادة الشديدة بينما الاستحباب هو الإرادة الضعيفة ، هذا أوّلا.
وثانيا : أنّ شدّة الشيء من سنخ الشيء ، فالإرادة الشديدة من سنخ الإرادة ؛ وذلك لأنّ الإرادة الوجوبيّة الشديدة هي الإرادة التامّة التي لا نقصان فيها ولا ضعف ، فلا يحتاج في بيان الإرادة الشديدة إلا إلى بيان الإرادة ، وهذا ما يتكفّل به لفظ الأمر بمادّته أو هيئته.
فالإرادة الشديدة إرادة بخلاف ضعف الشيء فإنّه ليس من سنخه ، فالإرادة الضعيفة ليست من سنخ الإرادة ؛ وذلك لأنّها تحتاج إلى مئونة زائدة وهي بيان النقص والضعف في الإرادة. فإنّ ضعف الإرادة ونقصها ليس إرادة ، فالإرادة الاستحبابيّة لا يكفي فيها بيان الإرادة باللفظ ، بل لا بدّ من بيان ما يدلّ على الضعف والنقصان.
والنتيجة هي : أنّه بالإطلاق وقرينة الحكمة تتعيّن الإرادة الشديدة ، أي الإرادة