وهذا يعني أنّ موضوع حكم العقل بالوجوب غير تامّ ؛ لأنّ الموضوع مركّب من صدور أمر وعدم صدور الترخيص ، فصدور الأمر متحقّق ولكن عدم صدور الترخيص مشكوك ، فلا يتمّ حكم العقل بالوجوب ؛ لأنّ الشكّ في صدور الترخيص وعدمه معناه الشكّ في الوجوب وعدمه ؛ لأنّ الوجوب معلّق فمع الشكّ في قيده وشرطه سوف يشكّ بالوجوب.
وحينئذ لا يحكم العقل بالوجوب ؛ لأنّ عدم الترخيص غير متحقّق ، ولا يحكم بالاستحباب ؛ لأنّ الترخيص أيضا غير متحقّق. وهذا يعني أنّ هذا الأمر ليس وجوبا وليس استحبابا.
وهذه نتيجة لا يلتزم بها أحد ، وإلا لكانت كلّ الأوامر الصادرة من الشارع مع احتمال وجود الترخيص مبتلية بالإجمال والإهمال ، وهذا يؤدّي إلى التعطيل في الأحكام وهو واضح البطلان.
وأمّا الثالث فهو خروج عن محلّ الكلام ؛ لأنّ الكلام في الوجوب الواقعي الذي يشترك فيه الجاهل والعالم ، لا في المنجّزيّة.
وأمّا الاحتمال الثالث بأن يكون حكم العقل معلّقا على عدم إحراز الترخيص وعدم علم المكلّف بالترخيص ، فهو خروج عن محلّ الكلام.
وتوضيحه : أنّ فرض كون حكم العقل معلّقا على عدم إحراز الترخيص أو على عدم علم المكلّف بالترخيص ، معناه أنّ المكلّف إذا أحرز وعلم بالترخيص فالعقل يحكم بالاستحباب ، وإذا أحرز وعلم بعدم الترخيص فالعقل يحكم بالوجوب ، وهذا معناه أنّ الوجوب يدور مدار العلم وإحراز عدم الترخيص وعدم ذلك.
وهذا خروج عن محلّ الكلام ؛ لأنّ الكلام في الوجوب الواقعي الثابت واقعا سواء علم به المكلّف أم لا ؛ لأنّ الأحكام الواقعيّة يشترك فيها العالم والجاهل وليست مختصّة بالعالم دون الجاهل.
وأمّا الوجوب الظاهري فهو ثابت على العالم دون الجاهل ، بمعنى أنّ منجّزيّة الوجوب وكونه فعليّا بحقّ المكلّف فرع علم المكلّف به وإحرازه ، فإذا علم به وأحرزه فهو فعلي بحقّه ، وإذا جهله فهو ليس فعليّا في حقّه مع كون الوجوب ثابتا واقعا بحقّه ولكنّه معذور بسبب جهله.