بالوجوب ؛ لأنّه أمر ولم يتّصل به ترخيص ، فإذا جاء بعد ذلك ترخيص منفصل من قبيل ( لا يجب إكرام العلماء ) أو ( يجوز ترك إكرام العلماء ) فهنا سوف يقع التنافي بين حكم العقل بالوجوب وبين هذا الدليل الشرعي الدالّ على الترخيص والإباحة.
فإنّ العقل يحكم بالوجوب وينفي كلّ ما عداه ، بينما الدليل المنفصل يدلّ على الترخيص وينفي كلّ ما عداه ، إلا أنّه من الواضح أنّ حكم العقل إذا تمّ موضوعه فهو حكم قطعي ؛ لأنّ موضوعات الأحكام العقليّة بمثابة العلل ، فإذا تمّ الموضوع فالعلّة موجودة فلا بدّ من ترتّب المعلول عليها وهو الوجوب ، ويستحيل الحكم بالترخيص.
فيكون هذا الدليل المنفصل غير صادر من الشارع أصلا إن كان ظنّي السند. وأمّا إن كان قطعي السند فلا بدّ من تأويله بحيث ينجسم مع حكم العقل القطعي ، وهذا معناه أنّه يمتنع الأخذ بهذا الدليل المنفصل الدالّ على الترخيص ؛ لأنّه مناف مع حكم العقل القطعي.
وهذه النتيجة لا يقول بها أحد حتّى الميرزا نفسه ؛ لأنّ الفقهاء وغيرهم يلتزمون بالقرائن المنفصلة وكونها قرينة على تحديد المراد من الكلام الصادر من المتكلّم ، ومفسّرة للمراد الجدّي من كلامه السابق ، بل إنّ القرائن المنفصلة واعتماد الشارع عليها كثيرة جدّا حتّى قيل : إنّه ( ما من عامّ إلا وقد خصّ ) فوجود المخصص المنفصل إذا دليل وكاشف على أنّ حكم العقل بالوجوب بالنحو المذكور غير صحيح ؛ لأنّ الشارع لا يصدر منه ما يخالف الحكم القطعي للعقل.
وأمّا الثاني فلأنّه يستلزم عدم إحراز الوجوب عند الشكّ في الترخيص المنفصل واحتمال وروده ؛ لأنّ الوجوب من نتائج حكم العقل بلزوم الامتثال ، وهو معلّق بحسب الفرض على عدم ورود الترخيص ولو منفصلا ، فمع الشكّ في ذلك يشكّ في الوجوب.
وأمّا الاحتمال الثاني بأن يكون عدم الترخيص هو عدم الترخيص واقعا سواء المتّصل أو المنفصل ، فيلزم منه الإهمال والإجمال ، وذلك فيما إذا ورد أمر ( أكرم العالم ) واحتمل صدور الترخيص ولو منفصلا ، لكنّه لم يصل إلى المكلّف لظروف وأسباب كنسيان الراوي لما ذكره الإمام مثلا ، أو لضياعه مع الإشارة إلى ذلك ، فهناك أمر صادر وهناك ترخيص مشكوك ، ولكن يحتمل كونه صادرا أيضا.