عدم وجوب شيء منهما أيضاً ، فإنّه في مثل هذه الموارد يقبل الارتكاز العقلائي حجّية أحدهما لا بعينه ؛ لترتب أثره ، وهو نفي الثالث في الأوّل ، واثبات احدى الكفارتين بالحجة اجمالاً في الثاني ، وهو كالعلم الإجمالي بالواقع منجز وموجب للاحتياط ، فإنّ هذا ليس على خلاف الارتكاز العقلائي.
ومما يشهد على ذلك قبول ذلك في التمسك بأصالة العموم أو الإطلاق في غير المعلوم بالاجمال تخصيصه أو خروجه عن العام في موارد الدوران بين المتباينين ، كما إذا قال : ( أكرم كل عالم ) وعلمنا بعدم وجوب اكرام زيد أو عمرو من العلماء ، فإنّه قد تقدم امكان التمسك بأصالة العموم في غير المعلوم اجمالاً خروجه ، فيثبت وجوب اكرام أحدهما اجمالاً بالتعبد ، وهو كالعلم الإجمالي الوجداني في وجوب الاحتياط حينئذٍ.
فالسيد الشهيد قدسسره حيث قبل هذا المطلب هناك لم يكن وجه للتشكيك فيه هنا ، فإنّ العموم والإطلاق كالخبر أمارة وطريق كاشف عرفي ، بل البحث في المقام لا يختصّ بالخبرين الظنيين المتعارضين ، بل يشمل القطعيين سنداً المتعارضين بحسب الظهور دلالةً ، بنحو لا جمع عرفي بينهما ، وعندئذٍ نقول : انّ ملاك حجّية الظهور والدلالة إن كان منتفياً يقيناً أو احتمالاً عند العقلاء في موارد التعارض بين دلالتين وظهورين بحيث لا يعلم انّ العقلاء يبنون على حجيته في هذه الموارد ، ولا دليل لفظي على الحجّية تعبداً ، بل لو فرض دليل لفظي فهو إرشاد وامضاء للسيرة وبمقدارها.
أقول : إذا كان الأمر كذلك ـ كما هو ظاهر السيد الشهيد قدسسره في المقام ـ فهذا يوجب عدم حجّية دلالة العام وظهوره أيضاً في غير المعلوم الخروج بالتخصيص ، فلماذا وافق عليه السيد الشهيد قدسسره هناك وفصّل بين المقامين.