الشهوات له وتركه مخالفتها من غير أن يقدرها في نفسه ويبني عليه أمره فيصفح الله عنه ويتفضل عليه بالمغفرة فأما من قدر أمره على أن يعصي ما بدا له ثم يتوب آخر ذلك فإنما يحاول خديعة من لا يخادع بأن يتسلف (١) التلذذ في العاجل ويعد ويمني نفسه التوبة في الآجل ولأنه لا يفي بما يعد من ذلك فإن النزوع من الترفه والتلذذ ومعاناة (٢) التوبة ولا سيما عند الكبر وضعف البدن أمر صعب ولا يؤمن على الإنسان مع مدافعته بالتوبة أن يرهقه الموت فيخرج من الدنيا غير تائب كما قد يكون على الواحد دين إلى أجل وقد يقدر على قضائه فلا يزال يدافع بذلك حتى يحل الأجل وقد نفذ المال ، فيبقى الدين قائما عليه فكان خير الأشياء للإنسان أن يستر عنه مبلغ عمره فيكون طول عمره يترقب الموت فيترك المعاصي ويؤثر العمل الصالح فإن قلت وها هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته وصار يترقب الموت في كل ساعة يقارف (٣) الفواحش وينتهك المحارم (٤) قلنا إن وجه
__________________
(١) التسلف : الاقتراض كأنّه يجرى معاملة مع ربّه ، بان يتصرف في اللذات عاجلا ويعد ربّه في عوضها التوبة ليؤدي إليه آجلا .. وفي بعض النسخ يستسلف وهو طلب وبيع الشيء سلفا.
(٢) المعاناة : مقاساة العناء والمشقة.
(٣) في الأصل المطبوع يفارق ولا يستقيم المعنى بها بل يكون عكسيا. ولما رجعنا إلى البحار وجدناها يقارف.
(٤) المحارم جمع محرم وهو الحرام.