عما حاولوا من صنعتها على حرصهم واجتهادهم في ذلك فإنهم لو ظفروا بما حاولوا من هذا العلم كان لا محالة سيظهر ويستفيض في العالم حتى تكثر الفضة والذهب ويسقطا عند الناس فلا تكون لهما قيمة ويبطل الانتفاع بهما في الشراء والبيع والمعاملات ولا كان يجبي السلطان الأموال ولا يدخرهما أحد للأعقاب وقد أعطي الناس مع هذا صنعة الشبه (١) من النحاس والزجاج من الرمل والفضة من الرصاص والذهب من الفضة وأشباه ذلك مما لا مضرة فيه.
فانظر كيف أعطوا إرادتهم في ما لا ضرر فيه ومنعوا ذلك فيما كان ضارا لهم لو نالوه ومن أوغل في المعادن انتهى إلى واد عظيم يجري منصلتا بماء غزير لا يدرك غوره ولا حيلة في عبوره ومن ورائه أمثال الجبال من الفضة.
تفكر الآن في هذا من تدبير الخالق الحكيم فإنه أراد جل ثناؤه أن يرى العباد قدرته وسعة خزائنه ليعلموا أنه لو شاء أن يمنحهم كالجبال من الفضة لفعل لكن لا صلاح لهم في ذلك لأنه لو كان فيكون فيها كما ذكرنا سقوط هذا الجوهر عند الناس وقلة انتفاعهم به واعتبر ذلك بأنه قد يظهر الشيء الظريف مما يحدثه الناس من الأواني والأمتعة فما دام عزيزا قليلا فهو نفيس جليل آخذ الثمن فإذا فشا وكثر في أيدي الناس سقط عندهم وخست قيمته ونفاسة الأشياء من عزتها
__________________
(١) الشبه ـ بكسر ففتح ـ هو النحاس الأصفر.