فدنا موسى عليهالسلام من الحمار ونطق بشيء لم أسمعه ، وأخذ قضيبا كان مطروحا فضربه فصاح عليه فوثب الحمار صحيحا سليما ، فقال : « يا مغربي ، ترى هاهنا شيئا من الاستهزاء ، فألحق بأصحابك » ، ومضينا وتركناه.
قال عليّ بن أبي حمزة : فكنت واقفا يوما على بئر زمزم بمكّة فإذا المغربي هناك ، فلمّا رآني عدا إليّ وقبّل يدي فرحا مسرورا ، فقلت له : ما حال حمارك؟
فقال : هو والله سليم صحيح ، وما أدري من أين ذلك الرجل الذي منّ الله به عليّ فأحيا لي حماري بعد موته.
فقلت له : قد بلغت حاجتك فلا تسأل عمّا لا تبلغ معرفته (١).
ومنها : ما روي عن شقيق البلخي إنّه قال : خرجت حاجّا في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلت القادسية ، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه ، شديد السمرة ، ضعيف ، فوق ثيابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان وقد جلس منفردا ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاّ على الناس في طريقهم ، والله لأمضينّ إليه ولاوبّخنّه ، فدنوت منه فلمّا رآني مقبلا : قال : « يا شقيق ، ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ، (٢) » ثمّ تركني ومضى ، فقلت في نفسي : إنّ هذا الأمر عظيم ، قد تكلّم بما في نفسي ونطق باسمي ، وما هذا إلاّ عبد صالح ، لألحقنّه ولأسألنّه أن يحلّلني ، فأسرعت في أثره فلم ألحقه ، وغاب عن عيني.
فلمّا نزلنا واقصة (٣) وإذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري ، فقلت : هذا صاحبي أمضي إليه وأستحلّه ، فصبرت حتّى جلس وأقبلت نحوه فلمّا رآني مقبلا
__________________
(١) المصدر السابق : ٧١ ، ح ٩٥ ، نقلا عن « الخرائج والجرائح » ١ : ٣١٤.
(٢) الحجرات (٤٩) : ١٢.
(٣) واقصة : منزل بطريق مكّة.