وكما أنّه روي أنّه عليه الصلاة والسّلام مرّ بقبرين ، فقال : « إنّهما يعذّبان وما يعذّبان عن كبيرة ؛ بل لأنّ أحدهما كان لا يستنزه عن البول ، وأمّا الثاني فكان يمشي بالنميمة » (١) ، وكقوله صلىاللهعليهوآله : « استنزهوا عن البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه » (٢).
وكقوله صلىاللهعليهوآله في حقّ سعد بن معاذ : « لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلف بها ضلوعه » (٣). إلى غير ذلك من الأحاديث الصحاح.
واحتجّ المنكرون بقوله تعالى : ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) (٤) ولو أحيوا في القبر لذاقوا موتتين.
والجواب : أنّ ذلك وصف لأهل الجنّة ، وضمير « فيها » للجنّة ، أي « لا يذوقون أهل الجنّة في الجنّة الموت ، فلا ينقطع نعيمهم كما انقطع نعيم أهل الدنيا بالموت ، فلا دلالة في الآية على انتفاء موتة أخرى بعد المسألة وقبل دخول الجنّة.
وأمّا قوله : ( إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) فهو تأكيد لعدم موته في الجنّة على سبيل التعليق بالمحال ، كأنّه قيل : « لو أمكن ذوقهم الموتة لذاقوا في الجنّة الموت » ، لكنّه لا يمكن بلا شبهة ، فلا يتصوّر موتهم فيها.
قالوا : إنّما يمكن العمل بالظواهر الّتي تمسّكتم بها إذا لم تكن مخالفة للمعقول ، فإنّها على تقدير مخالفتها إيّاه يجب تأويلها وصرفها عن ظواهرها ، فلا يبقى لكم وجه احتجاج بها. ودليل مخالفتها للمعقول بأنّا نرى شخصا يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه ولا نشاهد فيه إحياء ولا مساءلة ، والقول بهما مع عدم المشاهدة سفسطة ظاهرة.
__________________
(١) « سنن ابن ماجة » ١ : ١٢٥ ، ح ٣٤٧ ؛ « سنن أبي داود » ١ : ٦ ، ح ٢٠ ؛ « سنن النسائي » ١ : ٢٩ ـ ٣٠ ، باب التنزّه عن البول ؛ « روضة الواعظين » ٢ : ٤٧١.
(٢) « سنن الدارقطني » ١ : ١٢٨ ، باب نجاسة البول ... ، ح ٧ ؛ « نيل الأوطار » ١ : ١١٤ ؛ « نصب الراية » ١ : ١٢٨.
(٣) « تأويل مختلف الحديث » : ٢٦٤ ، نحوه ؛ « مسند الربيع » : ٣٠٦.
(٤) الدخان (٤٤) : ٥٦.