وأبلغ منه كلّه من أكلته السباع والطيور وتفرّقت أجزاؤه في بطونها وحواصلها. وأبلغ منه من أحرق فصار رمادا وذري في الرياح العاصفة شمالا وجنوبا وقبولا ودبورا فإنّا نعلم عدم إحيائه ومساءلته وعذابه ضرورة.
وقد تحيّر الأصحاب في التفصّي عن هذا ، فقال القاضي وأتباعه في صورة المصلوب : لا بعد في الإحياء والمساءلة مع عدم المشاهدة كما في صاحب السكتة فإنّه حيّ مع أنّا لا نشاهد حياته ، وكما في رؤية النبيّ صلىاللهعليهوآله جبرئيل عليهالسلام وهو بين أظهر أصحابه مع ستره عليهم. وأمّا الصورتان الأخريان فإنّ التمسّك بهما مبنيّ على اشتراط البنية في الحياة وهو ممنوع عندنا ، فلا بعد حينئذ في أن تعاد الحياة إلى الأجزاء المتفرّقة أو بعضها وإن كان خلافا للعادة ، فإنّ خوارق العادة غير ممتنعة في مقدور الله تعالى.
( وسائر السمعيّات من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب ممكنة. دلّ السمع على ثبوتها ). فإنّها نطق بها الكتاب والسنّة وانعقد عليها إجماع الأمّة ( فيجب التصديق بها ).
وأمّا الميزان فقد قال الله تعالى : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) (١) ، وقال تعالى : ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) (٢).
وذهب كثير من المفسّرين إلى أنّه ميزان له كفّتان ولسان وشاهين وعماد (٣) ؛ عملا بالحقيقة لإمكانها. وقد ورد في الحديث تفسيره بذلك (٤).
__________________
(١) الأنبياء (٢١) : ٤٧.
(٢) القارعة (١٠١) : ٦ ـ ٩.
(٣) « مجمع البيان » ٤ : ٣٩٩ ، ذيل الآية ٨ من سورة الأعراف (٧) ؛ « تفسير القرطبي » ١١ : ٢٩٣ ، ذيل الآية ٤٧ من سورة الأنبياء (٢١).
(٤) « الدرّ المنثور » ٣ : ٤١٨.