المعصية والتوبة المتأخّرة عنها في إسقاط عقابها كسائر الطاعات التي تسقط العقوبات بكثرة ثوابها ، واللازم باطل ؛ للقطع بأنّ من تاب عن المعاصي كلّها ثمّ شرب الخمر لا يسقط عنه عقاب الشرب. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولولاه لانتفى الفرق بين التقديم والتأخير ) ولما اختصّت التوبة عن معصية معيّنة بسقوط عقابها دون أخرى ؛ لأنّ نسبة كثرة الثواب إلى الكلّ على السويّة ، وإلى هذا أشار بقوله : « ولا اختصاص » أي لولاه لانتفى الاختصاص. واحتجّ الآخرون ، بأنّه لو كان بنفس التوبة لسقط بتوبة العاصي عند معاينة النار.
وأشار المصنّف إلى جوابه بقوله : ( ولا تقبل في الآخرة ؛ لانتفاء الشرط ) فإنّ ندم العاصي عند المعاينة ليس لقبحها.
( وعذاب القبر واقع ؛ لإمكانه ، وتواتر السمع بوقوعه ) عذاب القبر للكافر والفاسق ممّا اتّفق عليه سلف الأمّة قبل ظهور الخلاف ، واتّفق عليه الأكثر بعده. وأنكره ضرار بن عمرو وبشر المريسي وأكثر المتأخّرين من المعتزلة (١).
وللمثبتين : أنّه أمر ممكن أخبر به الصادق. أمّا إمكانه فظاهر. وأمّا إخبار الصادق به ؛ فلقوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) (٢). عطف في هذه الآية عذاب القيامة على العذاب الذي هو عرض النار صباحا ومساء ، فعلم أنّه غيره وقبل قيام الساعة فهو في القبر ؛ ولقوله تعالى : ( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) (٣) ، وإحدى الحياتين ليس إلاّ في القبر ، ومن قال بالإحياء فيه قال بالعذاب أيضا ؛ وللأحاديث المتواترة المعنى ، كقوله صلىاللهعليهوآله : « القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران » (٤).
__________________
(١) لمزيد الاطّلاع راجع « شرح المقاصد » ٥ : ١١٣.
(٢) غافر (٤٠) : ٤٦.
(٣) غافر (٤٠) : ١١.
(٤) « سنن الترمذي » ٤ : ٦٤٠ ، ح ٢٤٦٠ ؛ « مجمع الزوائد » ٣ : ٤٦ ، باب خطاب القبر.