( وفي وجوب التجديد إشكال ) قال بعض المعتزلة : إذا تاب المكلّف عن المعصية ثمّ ذكرها وجب عليه تجديد التوبة ؛ لأنّه إذا ذكر المعصية ولم يندم عليها كان مشتهيا لها فرحا بها وذلك إبطال للندم ورجوع إلى الإصرار (١).
وقال المصنّف : فيه إشكال ؛ لأنّا لا نسلّم أنّه لو لم يندم عليها إذا ذكرها لكان مشتهيا لها ؛ إذ ربما يضرب عنها صفحا من غير ندم عليها ولا اشتهاء لها ولا ابتهاج بها.
وكذا المعلول مع العلّة ـ أي فيه أيضا إشكال ـ فإنّه إذا صدرت العلّة عن المكلّف وجب الندم على العلّة مع المعلول ، كما إذا رمى فأصاب ، فإنّ الرمي علّة والإصابة معلولة له يجب الندم على الرمي والإصابة جميعا. وفيه إشكال ؛ لأنّ الإجزاء يحصل بالندم على الرمي.
( وكذا وجوب سقوط العقاب بها ) فيه أيضا إشكال. ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه يجب على الله تعالى أن يسقط العقاب بالتوبة ، حتّى قالوا : إنّ العقاب بعد التوبة ظلم. واحتجّوا بأنّ العاصي قد بذل وسعه في التلافي والتدارك فيسقط عقابه ، كمن بالغ في الاعتذار إلى من أساء إليه يسقط ذنبه بالضرورة (٢).
واعترض بأنّ من أساء إلى غيره وهتك حرمته ثمّ جاء معتذرا لا يجب ـ بحكم العقل ـ قبول اعتذاره ، بل الخيرة إلى ذلك الغير إن شاء صفح وإن شاء جازاه.
( والعقاب يسقط بها لا بكثرة ثوابها ) اختلفوا في سقوط العقوبة ، فعند بعض المعتزلة بكثرة ثواب التوبة. وعند أكثرهم بنفس التوبة (٣). واختاره المصنّف. واحتجّ عليه بأنّه لو كان بكثرة الثواب لما وقعت محبطة بدون الثواب لكنّها قد تقع.
وإلى هذا أشار بقوله : ( لأنّها تقع محبطة ) ولما بقي فرق بين التوبة المتقدّمة على
__________________
(١) حكاه التفتازاني عن القاضي والجبائي في « شرح المقاصد » ٥ : ١٦٩.
(٢) حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » : ٥ : ١٦٥ ـ ١٦٦.
(٣) حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : ٣٦٤ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » : ٥ : ١٦٧.