( والتوبة ) وهي الندم على المعصية في الحال والعزم على تركها في الاستقبال. والتحقيق : أنّ ذكر العزم إنّما هو للتقرير والبيان لا للتقييد والاحتراز ؛ إذ النادم على المعصية لقبحها لا يخلو عن ذلك العزم البتّة على تقدير الخطور والاقتدار ( واجبة لدفعها الضرر ) الذي هو العقاب أو الخوف منه ودفع الضرر واجب ، فما يدفع به الضرر أيضا يكون واجبا ( ولوجوب الندم على كلّ قبيح أو إخلال بواجب ). هذا عند المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليّين. وأمّا عند الأشاعرة فوجوبها بالسمع ؛ لقوله تعالى : ( تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ) (١) ، ( تُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً ) (٢). ونحو ذلك.
ويندم على القبيح لقبحه وإلاّ ( لانتفت التوبة ) ؛ فإنّ من ندم على المعصية لإضرارها ببدنه أو إخلالها بعرضه أو ماله أو الغرض آخر لا يكون تائبا ( وخوف النار إن كان الغاية فكذلك ) يعني إن كان الندم على المعصية لخوف النار لا يكون ذلك توبة كما إذا ندم عليها لإضرارها بالبدن ؛ لما ذكرنا أنّ المعتبر هو الندم لقبح المعصية لا لغرض آخر. ( وكذلك الإخلال بالواجب ) ؛ لأنّ الندم عليه إنّما يكون توبة إذا كان ؛ لأنّه إخلال بالواجب.
وأمّا إذا كان الندم لخوف المرض أو النقصان بماله أو عرضه أو لخوف النار لم يكن توبة. ( فلا تصحّ من البعض ). أي إذا ثبت أنّ الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب إنّما يكون توبة إذا كان الندم ؛ لأنّه قبيح أو إخلال ، يلزم أن لا تصحّ التوبة من بعض القبائح دون بعض ؛ لأنّه إذا ندم من فعل قبيح دون قبيح يظهر أنّه لم يندم على القبيح لقبحه بل لأمر آخر يوجد في بعض دون بعض. وهذا مذهب أبي هاشم (٣).
__________________
(١) التحريم (٦٦) : ٨.
(٢) النور (٢٤) : ٣١.
(٣) حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٩ ؛ و « مناهج اليقين » : ٣٦٢ ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » ٥ : ١٦٩ ـ ١٧٠.