وذهب أبو عليّ إلى أنّه تصحّ التوبة من قبيح دون قبيح.
واحتجّ عليه بأنّ الندم على قبيح دون قبيح يصحّ كما أنّ الإتيان بواجب دون واجب يصحّ (١) ؛ وذلك لأنّه كما يجب عليه ترك القبيح لقبحه كذلك يجب عليه فعل الواجب لوجوبه. ولو لزم من اشتراك القبائح في القبح عدم صحّة الندم على قبيح دون قبيح لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب عدم صحّة الإتيان بواجب دون واجب.
وردّه المصنّف بقوله : ( ولا يتمّ القياس على الواجب ) للفرق بين المقيس والمقيس عليه ؛ فإنّ ترك القبيح لكونه نفيا لا يحصل إلاّ بترك جميع القبائح ، بخلاف الإتيان بالواجب لكونه إثباتا يحصل بإتيان واجب دون واجب.
أقول : فيه نظر ؛ لأنّ الكلام في الواجبات التي صدر من الشارع الأمر بكلّ واحد منها على حدة كالصلاة والصوم والزكاة مثلا لا في أفراد واجب أمر الشارع بالإتيان بواحد منها لا على التعيين كإعتاق رقبة أيّ رقبة كانت. وظاهر أنّ الامتثال لا يحصل بإتيان واحد منها ، بل بإتيان الجميع كما في ترك القبيح من غير فرق.
( ولو اعتقد فيه الحسن لصحّت التوبة ) أي لو اعتقد التائب في بعض القبائح الحسن صحّت توبته عن قبيح اعتقد قبحه دون قبيح اعتقد حسنه ؛ لحصول شرط التوبة وهو الندم على القبيح لقبحه ( وكذا المستحقر ) أي إذا استحقر التائب أحد الفعلين واستعظم الآخر من حيث القبح حتّى اعتقد بالحقير أنّ وجوده بالنسبة إلى العظيم كالعدم وتاب عن العظيم دون الحقير تصحّ توبته ؛ لأنّه تاب عنه لقبحه ، كمن قتل ولد الغير وكسر قلما له فتاب عن قتل الولد دون كسر القلم صحّت توبته.
( والتحقيق : أنّ ترجيح الداعي إلى الندم عن البعض يبعث عليه ) أي على الندم عن هذا البعض ( خاصّة ) دون البعض الآخر ؛ لانتفاء الترجيح الداعي بالنسبة إليه
__________________
(١) حكاه عنه العلاّمة في « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : ٤١٩ ؛ و « مناهج اليقين » : ٣٦٢.