فقلت : أنا شريكك فقال : « ولم؟ » فقلت : لأنّك دعوت وكنت أؤمّن ، قال : « فتقدّم وكل » ، فتقدّمت وأكلت عنبا لم آكل مثله قطّ ما كان له عجم ، فأكلنا حتّى شبعنا ولم تتغيّر السلّة ، فقال : « لا تدّخر ولا تخبّئ منه شيئا ».
ثمّ أخذ أحد البردين ودفع إليّ الآخر فقلت : أنا بي غنى عنه فاتّزر بأحدهما وارتد بالآخر وأعطى برديه الخلقين فقيرا سأله ، قلت : من هذا؟ قال : جعفر الصادق عليهالسلام فطلبته بعد ذلك لأسمع منه شيئا فلم أقدر عليه (١).
ثمّ ذكر أحوال مولانا الكاظم عليهالسلام قال : سمّي كاظما لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفا عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم.
قال : ومن بديع كراماته ما حكي من شقيق البلخي أنّه خرج حاجّا سنة تسع وأربعين ومائة فرآه بالقادسية منفردا عن الناس ، فقال في نفسه : هذا فتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلاّ على الناس لأمضينّ إليه ولأوبخنّه فمضى إليه ، فقال : « يا شقيق ، ( اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ ) » الآية ، (٢) فأراد أن يحالله فغاب عن عينيه ، فما رآه إلاّ بواقصة يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر ، فجاء إليه ليعتذر فخفّف صلاته وقال له : « ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ) » الآية ، (٣) فلمّا نزلوا زبالة رآه على بئر سقطت ركوته فيها فدعا فطغى الماء حتّى أخذها فتوضّأ وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثيب رمل فطرح منه فيها وشرب ، فقلت : أطعمني من فضل ما رزقك الله تعالى ، فقال : « يا شقيق ، لم تزل أنعم الله علينا ظاهرة فأحسن ظنّك بربّك » فناولنيها ، فشربت منها فإذا سويق وسكّر ما شربت والله ألذّ منه ولا أطيب ريحا ، فشبعت ورويت وأقمت أيّاما لا أشتهي شرابا ولا طعاما ، ثمّ لم أره إلاّ بمكّة وهو بغلمان
__________________
(١) « الصواعق المحرقة » : ٢٠١ ـ ٢٠٣.
(٢) الحجرات (٤٩) : ١٢.
(٣) طه (٢٠) : ٨٢.