الكلمات؟ كلمات تضيء كقناديل في ظلمة الطريق البهيم.
وتقدّم رجاء من الامام ليطلعه على جانب من مهمته :
ـ ان معي أوامر من الخليفة بالسفر وحدك الى مرو ، وأن يكون الطريق على البصرة فشيراز.
نظر الامام الى الكعبة نظرة أخيرة ، وكان سرب من الحمام يحلّق بسلام وتمتم في نفسه :
ـ « الغوغاء قتلة الانبياء » ٥٨.
ومرّ يومان آخران وقد أزفت ساعة الرحيل ، وآن للرجل المكي المدني أن يودّع ربوع طفولته في الأرض السمراء الى الارض التي تطلع منها الشمس.
وقف الامام يودّع أسرته ، وقد أطال حديثه مع شقيقته فاطمة لكأنه يودعها أسراراً غاية في الأهمية ، وكان الاطفال اكثر فجيعة ، وانبعث بكاء يشبه نشيج الميازيب في مواسم المطر.
وأدرك الذي حضروا المشهد أن علي بن موسى يعيش مأساةً لا يعرفون أسرارها ... إنّ جُلّ ما فهموه أن هذا الرجل لا يرغب بما يعرضه المأمون خليفة العصر.