من يرى المأمون تلك الليلة وهو يطلّ من خلال النافذة على حدائق القصر يحسبه شبحاً من أشباح الليل .. كان يفرغ كأساً من النبيذ في أعماقه ، وقد سرى دبيب خدر كقوافل من النمل لا نهاية لها ...
تمتم كأنه يحدّث نفسه ، ولعلّه كان يخاطب شخصاً يتخيّله :
ـ هؤلاء الحمقى لا يفهمون ما أفعله .. يظنون بغداد كل الدنيا لا يعرفون ماذا يجري في المدينة ومكّة والبصرة والكوفة وفي خراسان!!
لا أحد يعرف ماذا يموج في قلب المأمون ... ذلك الشاب الذي وجد نفسه بالرغم من كثرة جيوشه وحيداً ، لقد خسر الفوز بثقة العرب بعد مقتل الأمين ، فالناس لا يغفرون لقاتل الأخ فكيف اذا كان المقتول ابن زبيدة العربية العباسية؟!
كان يعاني هواجس مدمّرة ، فالبرغم من مصرع الأمين ولكن أحداً لا يعترف به خليفة ، بغداد ما تزال غاضبة والكوفة ترنو الى ثائر علوي آخر والمدينة ومكة والبصرة مترددة والشام يترقّب.
لقد اهتز الحق العباسي في الحكم وارتفعت همسات