وقد يدعي أحد منصبا إلهيا ثم يأتي بشئ
يعجز عنه غيره من البشر ويكون ذلك الشئ شاهدا على كذب ذلك المدعي ، كما يروى أن
مسيلمة تقل في بئر قليلة الماء ليكثر ماؤها فغار جميع ما فيها من الماء ، وأنه أمر
يده على رؤوس صبيان بني حنيفة وحنكهم فأصاب القرع كل صبي مسح رأسه ، ولثغ كل صبي
حنكه فإذا أتى
المدعي بمثل هذا الشاهد لا يجب على الله أن يبطله ، فإن في هذا كفاية لابطال دعواه
، ولا يسمى ذلك معجزا في الاصطلاح.
وليس من الاعجاز المصطلح عليه ما يظهره
الساحر والمشعوذ ، أو العالم ببعض العلوم النظرية الدقيقة ، وإن أتى بشئ عنه غيره
، ولا يجب على الله إبطاله إذا علم استناده في عمله إلى أمر طبيعي من سحر ، أو
شعبذة ، أو نحو ذلك وإن ادعى ذلك الشخص منصبا إلهيا ، وقد أتى بذلك الفعل شاهدا
على صدقه ، فإن العلوم النظرية الدقيقة لها قواعد معلومة عند أهلها ، وتلك القواعد
لا بد من أن توصل إلى نتائجها ، وإن احتاجت إلى دقة في التطبيق ، وعلى هذا القياس
تخرج غرائب علم الطب المنوطة بطبايع الاشياء ، وإن كانت خفية على عامة الناس ، وبل
وإن كانت خفية على الاطباء أنفسهم.
وليس من القبيح أن يختص الله أحدا من
خلقه بمعرفة شيء من تلك الاشياء ، وإن كانت دقيقة وبعيدة عن متناول أيدي عامة
الناس ، ولكن القبيح أن يغري الجاهل بجهله ، وأن يجري المعجز على يد الكاذب فيضل
الناس عن طريق الهدى.
لا بد للنبي
من إقامة المعجز :
تكليف عامة البشر واجب على الله سبحانه
، وهذا الحكم قطعي قد ثبت بالبراهين الصحيحة ، والادلة العقلية الواضحة ، فإنهم
محتاجون إلى التكليف في