( بيان )
سياق الآيات الشريفة يدل على انها نازلة دفعة واحدة ، وقد سيق الكلام فيها لبيان غرض واحد وهو تشريع القتال لاول مرة مع مشركي مكة ، فإن فيها تعرضا لاخراجهم من حيث أخرجوا المؤمنين ، وللفتنة ، وللقصاص ، والنهي عن مقاتلتهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوا عنده ، وكل ذلك امور مربوطة بمشركي مكة ، على انه تعالى قيد القتال بالقتال في قوله : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، وليس معناه الاشتراط أي قاتلوهم ان قاتلوكم وهو ظاهر ، ولا قيدا احترازيا ، والمعنى قاتلوا الرجال دون النساء والولدان الذين لا يقاتلونكم كما ذكره بعضهم ، إذ لا معنى لقتال من لا يقدر على القتال حتى ينهى عن مقاتلته ، ويقال : لا تقاتله بل انما الصحيح النهى عن قتله دون قتاله.
بل الظاهر ان الفعل اعني يقاتلونكم ، للحال والوصف للاشارة ، والمراد به الذين حالهم حال القتال مع المؤمنين وهم مشركوا مكة.
فمساق هذه الآيات مساق قوله تعالى : اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) الحج ـ ٤٠ ، إذن ابتدائي للقتال مع المشركين المقاتلين من غير شرط.
على ان الآيات الخمس جميعا متعرضة لبيان حكم واحد بحدوده وأطرافه ولوازمه فقوله تعالى : وقاتلوا في سبيل الله ، لاصل الحكم ، وقوله تعالى : لا تعتدوا الخ ، تحديد له من حيث الانتظام ، وقوله تعالى : واقتلوهم ( الخ ) تحديد له من حيث التشديد ، و قوله تعالى : ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ( الخ ) ، تحديد له من حيث المكان ، و قوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( الخ ) تحديد له من حيث الامد والزمان ، وقوله تعالى : الشهر الحرام ( الخ ) ، بيان ان هذا الحكم تشريع للقصاص في القتال والقتل ومعاملة بالمثل معهم ، وقوله تعالى : وأنفقوا ، إيجاب لمقدمته المالية وهو الانفاق للتجهيز والتجهز ، فيقرب ان يكون نزول مجموع الآيات الخمس لشأن واحد من غير أن ينسخ بعضها بعضا كما احتمله بعضهم ، ولا ان تكون نازلة في شؤون متفرقه كما