من حديث عوف بن مالك مرفوعا « إِياك والذنوب التي لا تغفر : الغلول فمن غل شيئاً أُتي به يوم القيامة ، والربا فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط .
ثم قال : والمتبادر الى جميع الافهام ما قاله ابن عطية لأنه اذا ذكر القيام انصرف الى النهوض المعهود في الاعمال ، ولا قرينة تدل على ان المراد به البعث ، وهذه الروايات لا يسلم منها شيء من قول في سنده ، وهي لم تنزل مع القرآن ، ولا جاء المرفوع منها مفسراً للآية ، ولولاها لما قال أحد بغير المتبادر الذي قال به ابن عطية الا من لم يظهر له صحته في الواقع .
ثم قال : وكان الوضاعون الذين يختلقون الروايات يتحرون في بعضها ما أشكل عليهم ظاهره من القرآن فيضعون لهم رواية يفسرونه بها ، وقلما يصح في التفسير شيء ، انتهى ما ذكره .
ولقد أصاب فيما ذكره من خطئهم لكنه أخطأ في تقرير معنى التشبيه الواقع في الآية حيث قال : أما ما قاله ابن عطية فهو ظاهر في نفسه فإِن أُولئك الذين فتنهم المال واستعبدهم حتى ضربت نفوسهم بجمعه ، وجعلوه مقصوداً لذاته ، وتركوا لأجل الكسب به جميع موارد الكسب الطبيعي تخرج نفوسهم عن الاعتدال الذي عليه أكثر الناس ، ويظهر ذلك في حركاتهم وتقلبهم في أعمالهم كما تراه في حركات المولعين بأعمال البورصة والمغرمين بالقمار ، يزيد فيهم النشاط والانهماك في أعمالهم ، حتى يكون خفة تعقبها حركات غير منتظمة . وهذا هو وجه الشبه بين حركاتهم وبين تخبط الممسوس فإِن التخبط من الخبط وهو ضرب غير منتظم وكخبط العشواء ، انتهى .
فإِن ما ذكره من خروج حركاتهم عن الاعتدال والانتظام وإِن كان في نفسه صحيحاً لكن لا هو معلول أكل الربا محضاً ، ولا هو المقصود من التشبيه الواقع في الآية : أما الاول فإِنما ذلك لانقطاعهم عن معنى العبودية وإِخلادهم الى لذائذ المادة ، ذلك مبلغهم من العلم ، فسلبوا بذلك العفة الدينية والوقار النفساني ، وتأثرت نفوسهم عن كل لذة يسيرة مترائية من المادة ، وتعقب ذلك اضطراب حركاتهم ، وهذا مشاهد محسوس من كل من حاله الحال الذي ذكرنا وإِن لم يمس الربا طول حياته .
وأما الثاني فلأن الاحتجاج الواقع في
الآية على كونهم خابطين لا يلائم ما ذكره من وجه الشبه ، فإِن الله سبحانه يحتج على كونهم خابطين في قيامهم بقوله : ذلك بأنهم قالوا إِنما البيع مثل الربا ، ولو كان كما يقول كان الأنسب الاحتجاج