ضمير ادعهن ويأتينك إليها مع انها غير موجودة بأجزائها وصورها بل هي موجودة بأجزائها فقط هو الوجه في رجوع الضمير إلى السماء مع عدم وجودها إلا بمادتها في قوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) فصلت ـ ١٠ ، وقوله تعالى : ( إنما أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن ) يس ـ ٨٢ ، وحقيقة الامر : ان الخطاب اللفظي فرع وجود المخاطب قبل الخطاب واما الخطاب التكويني فالامر فيه بالعكس ، والمخاطب فيه فرع الخطاب ، فإن الخطاب فيه هو الايجاد ومن المعلوم ان الوجود فرع الايجاد ، كما يشير إليه قوله تعالى : ان نقول له كن فيكون الآية فقوله فيكون إشارة إلى وجود الشئ المتفرع على قوله كن وهو خطاب الامر.
وعن الثالث : انا نختار الشق الثاني وان السؤال إنما هو عن كيفية فعل الله سبحانه وإحيائه لا عن كيفية قبول المادة وحياتها ، وقوله : إن البشر لا يمكنه ان ينال كنه الارادة الالهية التي هي من صفاته كما يدل ظاهر القرآن وعليه المسلمون.
قلنا : إن الارادة من صفات الفعل المنتزعة منه كالخلق والاحياء ونحوهما ، والذي لاسبيل إليه هو الذات المتعالية كما قال تعالى : ( ولا يحيطون به علما ) طه ـ ١١٠.
فالارادة منتزعة من الفعل ، وهو الايجاد المتحد مع وجود الشئ ، وهو كلمة كن في قوله تعالى : ان نقول له كن فيكون ، وقد ذكر الله في تالي الآية ان هذه الكلمة ـ كلمة كن ـ هي ملكوت كل شيء إذ قال : فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء الآية ، وقد ذكر الله تعالى انه ارى ابراهيم ملكوت خلقه إذ قال : ( وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين ) الانعام ـ ٧٥ ، ومن الملكوت إحياء الطيور المذكورة في الآية.
ومنشأ هذه الشبهة ونظائرها من هؤلاء الباحثين انهم يظنون ان دعوة ابراهيم عليهالسلام للطيور في إحيائها ، وقول عيسى عليهالسلام لميت عند إحيائه : قم بإذن الله وجريان الريح بأمر سليمان وغيرها مما يشتمل عليه الكتاب والسنة إنما هو لاثر وضعه الله تعالى في ألفاظهم المؤلفة من حروف الهجاء ، أو في إدراكهم التخيلي الذي تدل عليه الفاظهم نظير النسبة التي بين ألفاظنا العادية ومعانيها وقد خفي عليهم ان ذلك انما هو