وأظن ـ والله أعلم ـ أن العطف على المعنى كما مر في الوجه الثالث إلا أن التقدير غير التقدير ، توضيحه : أن الله سبحانه لما ذكر قوله : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، تحصل من ذلك : أنه يهدي المؤمنين إلى الحق ولا يهدي الكافر في كفره بل يضله أوليائه الذين اتخذته من دون الله اولياء ، ثم ذكر لذلك شواهد ثلاث يبين بها أقسام هدايته تعالى ، وهي مراتب ثلاث مترتبة :
اوليها : الهداية إلى الحق بالبرهان والاستدلال كما في قصة الذي حاج إبراهيم في ربه ، حيث هدى ابراهيم إلى حق القول ، ولم يهد الذي حاجه بل ابهته وأضله كفره ، وإنما لم يصرح بهداية ابراهيم بل وضع عمدة الكلام في امر خصمه ليدل على فائدة جديدة يدل عليها قوله : والله لا يهدي القوم الظالمين.
والثانية : الهداية إلى الحق بالارائة والاشهاد كما في قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها فإنه بين له ما أشكل عليه من امر الاحياء بإماتته واحيائه وسائر ما ذكره في الآية ، كل ذلك بالارائة والاشهاد.
الثالثة : الهداية إلى الحق وبيان الواقعة بإشهاد الحقيقة والعلة التي تترشح منه الحادثة ، وبعبارة اخرى بإرائة السبب والمسبب معا ، وهذا اقوى مراتب الهداية والبيان وأعلاها وأسناها كما ان من كان لم ير الجبن مثلا وارتاب في امره تزاح شبهته تارة بالاستشهاد بمن شاهده واكل منه وذاق طعمه ، وتارة بإرائته قطعة من الجبن واذاقته طعمه وتارة بإحضار الحليب وعصارة الانفحه وخلط مقدار منها به حتى يجمد ثم اذاقته شيئا منه وهي أنفى المراتب للشبهة.
إذا عرفت ما ذكرناه علمت ان المقام في الآيات الثلاث ـ وهو مقام الاستشهاد ـ يصح فيه جميع السياقات الثلاث في إلقاء المراد إلى المخاطب بأن يقال : ان الله يهدي المؤمنين إلى الحق : الم تر إلى قصة ابراهيم ونمرود ، أو لم تر إلى قصة الذي مر على قرية ، أو لم تر إلى قصة ابراهيم والطير ، أو يقال : ان الله يهدي المؤمنين إلى الحق : إما كما هدى ابراهيم في قصة المحاجة وهي نوع من الهداية ، أو كالذي مر على قرية وهي نوع آخر ، أو كما في قصة إبراهيم والطير وهي نوع آخر ، أو يقال : ان الله