الحقائق الشرعية أو المتشرعة على ما اصطلح عليه في فن الاصول .
وأصل الطهارة بحسب المعنى مما يعرفه الناس على اختلاف ألسنتهم ولغاتهم ، ومن هنا يعلم أنها من المعاني التي يعرفها الانسان في خلال حياته من غير اختصاص بقوم دون قوم أو عصر دون عصر .
فإِن أساس الحياة مبني على التصرف في الماديات والبلوغ بها إِلى مقاصد الحياة والاستفادة منها لمآرب العيش فالانسان يقصد كل شيء بالطبع لما فيه من الفائدة والخاصية والجدوى ، ويرغب فيه لذلك ، وأوسع هذه الفوائد الفوائد المربوطة بالتغذي والتوليد .
وربما عرض للشيء عارض يوجب تغيره عما كان عليه من الصفات الموجبة لرغبة الطبع فيه ، وعمدة ذلك الطعم الرائحة واللون ، فأوجب ذلك تنفر الطبع وانسلاب رغبته عنه ، وهذا هو المسمى بالنجاسة وبها يستقذر الانسان الشيء فيجتنبه ، وما يقابله وهو كون الشيء على حاله الاولي من الفائدة والجدوى الذي به يرغب فيه الطبع هو الطهارة ، فالطهارة والنجاسة وصفان وجوديان في الاشياء من حيث وجدانها صفة توجب الرغبة فيها ، أو صفه توجب كراهتها واستقذارها .
وقد كان أول ما تنبه الانسان بهذين المعنيين انتقل بهما في المحسوسات ثم أخذ في تعميمها للامور المعقولة غير المحسوسة لوجود أصل معنى الرغبة والنفرة فيها كالانساب والافعال والاخلاق والعقائد والأقوال .
هذا ملخص القول في معنى الطهارة
والنجاسة عند الناس ، وأما النظافة والنزاهة والقدس والسبحان فألفاظ قريبة المعنى من الطهارة غير أن النظافة هي الطهارة العائدة إِلى الشيء بعد قذارة سابقة ويختص استعمالها بالمحسوسات ، والنزاهة أصلها البعد ، وأصل إِطلاقها على الطهارة من باب الاستعارة ، والقدس والسبحان يختصان بالمعقولات والمعنويات ، وأما القذارة والرجس فلفظان قريبا المعنى من النجاسة ، لكن الأصل في القذارة معنى البعد ، يقال : ناقة قذرور تترك ناحية من الإبل وتستبعد
ويقال : رجل قاذورة لا يخال الناس لسوء خلقه ولا ينازلهم ، ورجل مقذر بالفتح يجتنبه الناس ، ويقال : قذرت الشيء بالكسر وتقذرته واستقذرته إِذا كرهته ، وعلى
( ٢ ـ الميزان ـ ١٤ )