هود ـ ١ ، فإِن هذا الاحكام مقابل التفصيل ، والتفصيل هو جعله فصلاً فصلاً وقطعة قطعة فالإِحكام كونه بحيث لا يتفصّل فيه جزء من جزء ولا يتميز بعض من بعض لرجوعه إِلى معنى واحد لا أجزاء ولا فصول فيه ، والآية ناطقة بأن هذا التفصيل المشاهد في القرآن إنما طرء عليه بعد كونه محكماً غير مفصّل .
وأوضح منه قوله تعالى : « وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ » الاعراف ـ ٥٣ ، وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ـ إلى أن قال : ـ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) يونس ـ ٣٩ فإن الآيات الشريفة وخاصة ما في سورة يونس ظاهرة الدلالة على أن التفصيل أمر طارٍ على الكتاب فنفس الكتاب شيء والتفصيل الذي يعرضه شيء آخر ، وأنهم إِنما كذّبوا بالتفصيل من الكتاب لكونهم ناسين لشيء يؤل إِليه هذا التفصيل وغافلين عنه ، وسيظهر لهم يوم القيامة ويضطرون إِلى علمه فلا ينفعهم الندم ولات حين مناص وفيها إِشعار بأن أصل الكتاب تأويل تفصيل الكتاب .
وأوضح منه قوله تعالى : (
حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الزخرف ـ ٤ . فإنه ظاهر في أن هناك كتاباً مبيناً عرض عليه جعله مقرّواً عربياً ، وإِنما أُلبس لباس القراءة
والعربية ليعقله الناس وإِلا فإِنه ـ وهو في أُمّ الكتاب ـ عند الله ، عليّ لا يصعد إِليه العقول
، حكيم لا يوجد فيه فصل وفصل وفي الآية تعريف للكتاب المبين وأنه أصل القرآن العربي المبين وفي هذا المساق أيضاً قوله تعالى : ( فَلَا أُقْسِمُ
بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا
يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ )
الواقعة ـ ٨٠ ، فإنه ظاهر في أن للقرآن موقعاً هو في الكتاب المكنون لا يمسّه هناك أحد إلا المطهرون من عباد الله وأن التنزيل بعده ، وأما قبل التنزيل
فله موقع في كتاب مكنون عن الأغيار وهو الذي عبّر عنه في آيات الزخرف ، بام
( ٢ ـ الميزان ـ ٢ )