صراطه المستقيم ،
فهذا الكمال لا يتم له إلا بتأييد من النبوة ، والهداية الالهية.
فان
قلت : لو صحت هذه الدعود النبوية ولها
ارتباط بالهداية التكوينية لكان لازمها فعلية التأثير في الاجتماعات الانسانية ،
كما ان هداية الانسان بل كل موجود مخلوق إلى منافع وجوده أمر فعلي جار في الخلقة
والتكوين ، فكان من اللازم أن يتلبس به الاجتماعات ، ويجري في ما بين الناس مجرى
سائر الغرائز الجارية ، وليس كذلك ، فكيف يكون إصلاحا حقيقيا ولا تقبله الاجتماعات
الانسانية؟ فليست الدعوة الدينية في رفعها اختلافات الحياة إلا فرضية غير قابلة
الانطباق على الحقيقة.
قلت
: أولا اثر الدعوة الدينية مشهود معاين ، لا يرتاب فيه الا مكابر ، فإنها في جميع
أعصار وجودها منذ ظهرت ، ربت ألوفا وألوفا من الافراد في جانب السعادة ، واضعاف
ذلك وأضعاف أضعافهم في جانب الشقاء بالقبول والرد والانقياد والاستكبار ، والايمان
والكفر ، مضافا إلى بعض الاجتماعات الدينية المنعقدة احيانا من الزمان ، على ان
الدنيا لم تقض عمرها بعد ، ولما ينقرض العالم الانساني ، ومن الممكن أن يتحول
الاجتماع الانساني يوما إلى اجتماع ديني صالح ، فيه حياة الانسانية الحقيقية
وسعادة الفضائل والاخلاق الراقية يوم لا يعبد فيه إلا الله سبحانه ، ويسار فيه
بالعدالة والفضيلة وليس من الجائز أن نعد مثل هذا التأثير العظيم هينا لا يعبأ به.
وثانيا
: أن الابحاث الاجتماعية وكذا علم النفس
وعلم الاخلاق تثبت أن الافعال المتحققة في الخارج لها ارتباط بالاحوال والملكات من
الاخلاق ترتضع من ثدى الصفات النفسانية ، ولها تأثير في النفوس ، فالافعال آثار
النفوس وصفاتها ، ولها آثار في النفوس في صفاتها ، ويستنتج من هناك أصلان : أصل
سراية الصفات والاخلاق ، وأصل وراثتها ، فهي تتسع وجودا بالسراية عرضا ، وتتسع
ببقاء وجودها بالوراثة طولا.
فهذه الدعوة العظيمة وهي تصاحب
الاجتماعات الانسانية من اقدم عهودها ، في تاريخها المضبوط وقبل ضبط التاريخ لا بد
أن تكون ذات أثر عميق في حياة الانسان الاجتماعية من حيث الاخلاق الفاضلة والصفات
الحسنة الكريمة ، فللدعوة الدينية آثار في النفوس وإن لم تجبها ولم تؤمن بها.