الأجرة بل هو معنى زارعتك على هذه الأرض ، أو سلمتك إياها أو سلطتك عليها بالحصة من حاصلها ، إذ لا معنى له بدونه ، فان المعاوضات التمليكية لا يتصور فيها عدم ملكية العوضين ، أو أحدهما بأحد الوجوه التي ذكرناها ، بل قد سمعت ما في خبر يعقوب المسؤول فيه عن المزارعة ، فقال : « النفقة منك والأرض لصاحبها فما أخرج الله تعالى من شيء قسم على الشطر » كغيره من النصوص الظاهرة في كون الأرض في المزارعة مملوكة عينا أو منفعة أو انتفاعا ، بمعنى اعتبار السلطان على الأرض للمزارع ، وأرض الخراج وإن كانت غير مملوكة العين ذاتا لكنها قد تملك منفعتها بالاستيجار من السلطان ، الذي قد أجرى الشارع ذلك منه مجرى سلطان العدل أو بالتقبيل أو غير ذلك مما يفيد تمليك المنفعة أو الانتفاع ، وكذا من سبق إليها فأحياها وقلنا : إنه بذلك يكون أحق من غيره في الانتفاع بها ، فإنه في الحقيقة مالك الانتفاع بها ، ولذا يصح له جعل مثل هذه الأحقية ثمنا لمبيع وأجرة في الإجارة إذ هو كالتحجير ونحوه من الحقوق المالية.
وعلى هذا ونحوه خرجت نصوص مزارعة أرض الخراج ، لا ما إذا لم يكن لأحدهما تسلط على منفعتها ، أو الانتفاع بها ، فإنه لا خصوصية لأحدهما على الآخر على وجه يكون أحدهما مزارعا والآخر عاملا بل لا بد حينئذ في إرادة الاشتراك في نمائها على التساوي ، أو التفاضل ، من الاشتراك في البذر كذلك ، أو غير ذلك من الوجوه والحيل التي ذكرها في المسالك مما هو منطبق على قواعد الإجارة والصلح أو غيرهما ، لا المزارعة لفقد تسلط أحدهما على الأرض الذي هو ركن في المزارعة ، كي يدفعها إلى الآخر بالحصة من حاصلها الذي قد عرفت أنه في المعنى إجارة.
وبذلك كله ظهر أنه لا وجه لمناقشته بما عرفت ، وبمخالفته للنصوص السابقة ودعوى ظهور كلامه في اعتبار ملكية العين في المزارعة مقطوع بفسادها ، فان القواعد والنصوص والفتاوى صريحة في خلافها ، ويبعد خفاء مثل ذلك على مثل الشهيد.