ثم حضر فى ذهنه غدر معاوية به ، ونكثه للعهود ، واغتياله إياه فقال :
« لقد حاقت شربته ، والله ما وفى بما وعد ، ولا صدق فيما قال » (١).
وأخذ يتلو آي الذكر الحكيم ويبتهل الى الله ويناجيه حتى فاضت نفسه الزكية الى جنة المأوى ، وسمت الى الرفيق الأعلى ، تلك النفس الكريمة التي لم يخلق لها نظير فيما مضى من سالف الزمن ، وما هو آت حلما وسخاء وعلما وعطفا وحنانا وبرا على الناس جميعا.
لقد مات حليم المسلمين ، وسيد شباب أهل الجنة ، وريحانة الرسول وقرة عينه ، فاظلمت الدنيا لفقده ، وأشرقت الآخرة بقدومه (٢).
وارتفعت الصيحة من بيوت الهاشميين ، وعلا الصراخ والعويل من بيوت يثرب ، وهرع أبو هريرة وهو باك العين ، مذهول اللب الى مسجد رسول الله (ص) وهو ينادي بأعلى صوته :
__________________
(١) تذكرة الخواص ص ٢٣ ، تاريخ ابن عساكر ٤ / ٢٢٦ ، حلية الأولياء ٢ / ٣٨ ، صفة الصفوة ١ / ٣٢٠.
(٢) اختلف المؤرخون في السنة التي توفى فيها الإمام فقيل سنة ٤٩ هج ، ذهب الى ذلك ابن الأثير ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ، وقيل سنة ٥١ هج ، ذهب الى ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه ، وابن قتيبة فى الإمامة والسياسة ، وقيل غير ذلك ، وأما الشهر الذي توفي فيه فقد اختلف فيه أيضا ، فقيل في ربيع الأول لخمس بقين منه ، وقيل في صفر لليلتين بقيتا منه ، وقيل يوم العاشر من المحرم يوم الأحد سنة ٤٥ من الهجرة ، كما في المسامرات ص ٢٦ ، والمشهور عند الشيعة انه توفى في صفر في السابع منه إذ تقام فيه مراسيم الذكرى له ، وقد ذكر السيد مهدي الكاظمي في دوائر المعارف ص ٢٣ تفصيل الأقوال في وفاته.