وضاق معاوية ذرعا بالإمام حينما كان في دمشق ، فقد رأى من اقبال الناس واحتفائهم به ما ساءه فعقد عدة مجالس حشدها بالقوى المنحرفة عن أهل البيت والمعادية لهم كابن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومروان بن الحكم والوليد بن عاقبة ، وزياد بن أبيه ، وعبد الله بن الزبير ، وأوعز لهم بالتطاول على ريحانة الرسول ، والنيل منه ، ليزهد الناس فيه ، ويشفي نفسه من ابن فاتح مكة ، ومحطم أوثان قريش ، وقد قابله هؤلاء الأوغاد بمرارة القول وبذاءة الكلام ، وبالغوا في الاستهتار والاعتداء عليه ، وكان (ع) يسدد لهم سهاما من منطقه الفياض فيرديهم صرعى ، يلاحقهم العار والخزي ، ويلمسهم مساوئهم وما عرفوا به من الزيغ والانحطاط ، كان يجيبهم ـ وهو مكره ـ ، ويرد على بذاءتهم وهو يقول : « أما والله لو لا أن بني أميّة تنسبني الى العجز عن المقال لكففت تهاونا » ، ولروعة كلامه ، وقوة حجته كان عبد الله بن عباس يقبل ما بين عينيه ويقول له : « أفديك يا ابن العم والله ما زال بحرك يزخر وأنت تصول حتى شفيتني من أولاد ... »
لقد كان الإمام في جميع تلك المناظرات هو الظافر المنتصر وخصومه الضعفاء قد عرتهم الاستكانة والهزيمة والذهول ، وقد أوصاهم كبيرهم بعد ما شاهد أشلاءهم مضرجة بطعناته ، أن يجتنبوا محاوراته (١).
وعلى أي حال فان « نصوص هذه المشاجرات بصيغها البلاغية ، وقيمها الأدبية جديرة بالعرض ، كتراث عربي أصيل يدل بنفسه على صحة نسبه ، وتعطينا بأسلوبه وصياغته صورة عن ( أدب المشاجرات ) في عصره »
__________________
(١) أعلام الزركلى ٢ / ٢١٥.