والتفت إليه الإمام الحسن (ع) فبشره بحبه لهم قائلا :
« سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله (ص) يقول : من أحب قوما كان معهم ».
وطلب منه المسيب وظبيان المكث في الكوفة فأمتنع (ع) من اجابتهم وقال :
« ليس الى ذلك من سبيل » (١).
وأخذ (ع) يعمل في تهيئة سفره ، وبعدها توجه هو وأهل بيته الى عاصمة جده ، وقد خرج أهل الكوفة بجميع طبقاتهم الى توديعه وهم ما بين باك وآسف (٢) يندبون حظهم التعيس وسعادتهم التي حطموها بأيديهم ، فقد نقلت الخلافة ومعها بيت المال من بلدهم الى دمشق ، وقد أقض ذلك مضاجعهم ، ولكن بعد أن سبق السيف العذل ، فقد كانوا أصحاب الدولة وإذا ببلدهم ـ بعد غدرهم بالامام وعدم مناصرته ـ قد أصبحت مصرا من الأمصار ، وإذا القطع السورية من الجيش تدخل مصرهم وتسيطر عليهم ويقام في بلدهم حكم ارهابي عنيف لا يعرف الرحمة والرأفة.
لقد رحل (ع) عن الكوفة هو وأهل بيته ومعه أبو رافع خازن بيت المال ، وقد غشيتها الكابة ، وخيم عليها الحزن ، وحل بها الشقاء والوبال والدمار ، فلقد صبّ الله عليها بعد خروج الامام الطاعون فقضى على كثير من أبنائها ، وفرّ منها المغيرة بن شعبة وإليها ثم بعد مدة عاد إليها فلما وصل جرفه الطاعون فمات به (٣).
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ٦.
(٢) تحفة الأنام للفاخوري ص ٦٧.
(٣) المسعودي على هامش ابن الأثير ٦ / ٩٧.