بقي الإمام (ع) فى الكوفة أياما وهو مكلوم القلب قد طافت به الهموم والآلام يتلقى من شيعته مرارة الكلام ، وقسوة القول ، ومن معاوية وحزبه الاستهانة بمركزه الرفيع وهو مع ذلك صابر محتسب ، قد كظم غيظه ، وأوكل أمره الى الله ، وقد عزم على مغادرة العراق ـ البلد الذي غدر به وبأبيه من قبل ـ والشخوص الى مدينة جده ، وقد أظهر عزمه ونيته الى أصحابه ، ولما أذيع ذلك دخل عليه المسيب بن نجبة الفزاري ، وظبيان ابن عمارة التميمي (١) ليودّعاه ، فالتفت لهما ونفسه الشريفة مترعة بالألم والحزن على ما آل إليه أمر المسلمين قائلا :
« الحمد لله الغالب على أمره ، لو أجمع الخلق جميعا على أن لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا ».
ويلمس في كلامه التسليم لقضاء الله وقدره والحزن واللوعة على ضياع حقه الشرعي ولما رأى المسيب الشجا قد بدا على غصني النبوة ، وفرعي الإمامة ، وذلك لخوفهم على شيعتهم من أن يضاموا في عهد هذا الطاغية التفت لهما مهدئا روعهما قائلا :
« إنه والله ما يكبر علينا هذا الأمر إلا أن تضاموا وتنتقصوا ، فأما نحن فإنهم سيطلبون مودتنا بكل ما قدروا عليه ».
فانبرى إليه الإمام الحسين (ع) يشكره على ولائه وإخلاصه قائلا :
« يا مسيب ، نحن نعلم أنك تحبنا ».
__________________
(١) ظبيان بن عمارة التميمي : روى عن أمير المؤمنين (ع) ذكره البخاري في الصحابة ، وذكره في التابعين ابن حاتم وابن حبان ، جاء ذلك فى الاصابة ٢ / ٢٣٢. وجاء في لسان الميزان ٣ / ٢١٥ ان ابن حبان عدّ ظبيانا من الثقات وان ابن حاتم لم يذكر فيه جرحا.