ولم تأخذ لنفسك وثيقة ، وعهدا ظاهرا ، أعطاك أمرا فيما بينك وبينه ، ثم قال : ما قد سمعت ، والله ما أراد بها غيرك ».
فقال له الامام : « ما ترى؟ »
« أرى أن ترجع الى ما كنت عليه ، فقد كان نقض ما بينك وبينه »
فانبرى إليه الإمام مبينا له أن المصلحة كانت تقضي بالصلح قائلا :
« يا مسيب ، إني لو أردت ـ بما فعلت ـ الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء ، ولا أثبت عند الحرب مني ، ولكني أردت صلاحكم ، وكف بعضكم عن بعض » (١).
وأعرب الإمام (ع) في حديثه أنه لو كان من طلاب الدنيا وعشاق الملك والسلطان ما كان معاوية بأصبر منه ، ولا أثبت في الحرب ، ولكن الانتصار عليه يتوقف على الاعتماد على الطرق التي لا يقرها الدين كالمواربة والمداهنة والخداع وما شاكل ذلك ، ولكنه (ع) أبى أن يسلك ذلك وسار على خطة أبيه الداعية الى ملازمة الحق والعدل ، ومتابعة الشرع.
ودخل على الإمام مالك بن ضمرة (٢) فتكلم معه بكلام مرّ كان في
__________________
(١) تاريخ ابن عساكر ٢ / ٢٢٥.
(٢) مالك بن ضمرة الضمري : كان معروفا بسعة العلم والفضل ، وكان ملازما للصحابي العظيم أبي ذر ، وقد أدرك النبي (ص) ، ولمّا حضرته الوفاة أوصى بسلاحه الى المجاهدين من بني ضمرة ، واشترط عليهم أن لا يقاتلوا به أهل البيت (ع). فقال له أخوه : يا أخي عند الموت تقول هذا؟ فقال له : هو ذاك ، ولما أقبل سيد الشهداء الى العراق وخرج أهل الكوفة لقتاله ، جاء أحد أعوان ابن زياد الى موسى بن مالك مستعيرا منه رمح أبيه ليقاتل به ريحانة ـ