ولم تقتصر محنة الإمام وبلواه الخالدة على ما لاقاه من عظيم البلاء وشدة المحنة في صلحه مع معاوية واجتماعه به ، فقد تجاوز بلاؤه الى ما هو أعظم من ذلك وأشد أثرا في نفسه وهو كلام المنددين بصلحه من أعدائه وأصحابه فقد جابهوه بكلام أشد عليه من وقع الحسام المهند ، فقد رأى منهم غلظة فى القول وقسوة في الحديث وجفاء أي جفاء ، فاستاء (ع) من شيعته أكثر مما استاء من اعدائه لأنهم على علم بالظروف السود ، والعوامل المرة التي ألجأته الى الصلح والهدنة ، وفيما يلي كلام المنددين في ذلك مع جواب الإمام (ع) لهم.
وأقبل بطل العقيدة ومثال الإيمان حجر بن عدي الى الامام وقد مشت الرعدة بأوصاله ، واستولى عليه الحزن قائلا :
« أما والله ، لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم ، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا ، ورجعوا مسرورين بما أحبوا ».
ولا أدري كيف فاه حجر بهذا الكلام القاسي وهو أعلم بمركز الإمام وبواقعه من غيره ، وأدرى بالظروف العصيبة والمصاعب الشديدة التي أحاطت به (ع) حتى اضطرته الى الصلح ، ولكنه يعذر لأن لوعة المصاب وذهول النفس تخرج الإنسان عن موازين الاعتدال والاستقامة ، وقام الإمام (ع) فأخذ بيد حجر واختلى به في زاوية من زوايا البيت فبيّن له الحكمة التي من أجلها صالح معاوية قائلا :
« يا حجر ، قد سمعت كلامك في مجلس معاوية ، وليس كل انسان يحب ما تحب ، ولا رأيه كرأيك ، وإني لم أفعل إلا إبقاء عليكم ، والله