طبع الله على قلوبكم وأنتم لا تعقلون » (١).
ثم التفت الى الإمام (ع) وقد استولى عليه الذل والانكسار قائلا بصوت خفيض وبنبرات مرتعشة.
« أفي حل أنا من بيعتك؟ »
والتاع الإمام أشد اللوعة من حديث قيس فأجابه بكلمة واحدة :
« نعم ».
ولم يكتف معاوية بذلك فقد دفعته الوقاحة وصفاقة الوجه ، وضيق الوعاء أن يقول له :
« أتبايع يا قيس؟ »
فأجابه بصوت خافت حزين :
« نعم ».
ثم أطرق برأسه ووضع يده على فخذه لم يمدها إليه ، وقام معاوية من سريره وأكب عليه ومسح يده ، وقيس لم يرفع يده.
الى هنا ينتهي بنا الحديث عن اجتماع الإمام بمعاوية ، وقد كان الاجتماع من أعظم المحن وأقساها عليه ، وأقبل (ع) بعد ذلك يتهيأ للسفر الى يثرب ليترك العراق الذي غدر به وبأبيه من قبل ، فلم يف لهما بعهد ووعد يتركه الى معاوية ولبني أميّة يتصرفون فيه حسبما شاءت لهم أهواؤهم الخاصة ، فقد أخرجوه من الدعة والرفاهية والأمن ، الى الشدة والقسوة والعذاب ، وجعل العراقيون بعد نزوح الإمام عنهم يذكرون أيام حياتهم تحت ظلال الحكومة الهاشمية فيحزنون أشد الحزن ، ويندمون أشد الندم على تفريطهم في جنب أمير المؤمنين ، وولده الإمام الحسن عليهماالسلام.
__________________
(١) اليعقوبي ٢ / ١٩٢.