من التكريم والحفاوة بقيس ، فالتفت الى معاوية قائلا :
« لا تأته هذا وقاتله!! »
ولم يخف على معاوية حقد ابن العاص لقيس وعدم نصحه في مقاله فأجابه :
« على رسلك فانا لا نخلص الى قتلهم حتى يقتل اعدادهم من أهل الشام فما خير في العيش بعد ذلك واني والله لا أقاتله أبدا حتى لا أجد من قتاله بدّا ».
وأوصل الرسول الطومار الى قيس ، وابلغه بمقالة معاوية ، فتأمل قيس وأطال التفكير ، وأخيرا لم يجد بدا من الدخول فيما دخل فيه الناس إذ لم تكن عنده قوة يستطيع بها على مناجزة معاوية ، ولم يكن هناك ركن شديد يأوى إليه حتى يتخلص من بيعته ، فأجاب الرسول بالموافقة وسجل في الطومار الأمان له ولشيعته ، ولم يسأل غير ذلك (١) ولكنه امتنع من الاجتماع معه لأنه قد عاهد الله أن لا يجتمع معه إلا وبينهما السيف والرمح فلما علم معاوية ذلك أمر باحضار سيف ورمح ليجعل بينهما حتى يبر قيس بيمينه ولا يحنث ، فعند ذلك التجأ قيس الى الاجتماع به فأقبل وقد أحاطت به الجماهير ، وشخصت نحوه الأبصار ، وهو مطأطئ الرأس ، مثقل الخطى لا يبصر طريقه من الأسى والذل ، يتنفس فيلفظ شظايا قلبه مع أنفاسه ، ولما استقر به المجالس التفت الى الجموع الحاشدة قائلا :
« يا معشر الناس ، لقد اعتضتم الشر من الخير ، واستبدلتم الذل من العز ، والكفر من الإيمان ، فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين وسيد المسلمين ، وابن عم رسول رب العالمين ، وقد وليكم الطليق ابن الطليق ، يسومكم الخسف ، ويسير فيكم بالسيف ، فكيف تجهل ذلك أنفسكم ، أم
__________________
(١) الكامل ٣ / ٢٠٧ ، الطبري ٦ / ٩٤.