ونقل المتزلفون حديث أبي العريان إلى زياد فأشار عليه بعض خواصه أن يوصله بالمال حتى يكف لسانه عنه ، فاستصوب الرأي وأمر له بمائتي دينار فجاء بها الرسول إليه ، فقال له :
« يا أبا العريان ابن عمك زياد الأمير قد أرسل إليك مائتي دينار لتنفقها » فلما سمع أبو العريان بذلك طار فرحا فقال :
« وصلته رحم أى والله ابن عمي حقا ».
واجتاز موكب زياد عليه في اليوم الثاني ، فسلم عليه زياد ، فبكى أبو العريان ، فقيل له :
« ما يبكيك؟ ».
« عرفت صوت أبي سفيان في صوت زياد ».
هكذا تفعل المادة بالضمائر القذرة التي لم تنطبع فيها العقيدة ، وكان أبو العريان عاريا من الإيمان فتغير بهذه الصلة الضئيلة ، ولما سمع حديثه معاوية كتب إليه :
ما ألبثتك
الدنانير التي بعثت |
|
أن لونتك أبا
العريان الوانا |
أمسى إليك زياد
فى أرومته |
|
نكرا فأصبح ما
أنكرت عرفانا |
لله در زياد لو
تعجلها |
|
كانت له دون ما
يخشاه قربانا |
فلما قرأت على أبي العريان هذه الأبيات أجابه :
احدث لنا صلة
تحيا النفوس بها |
|
قد كدت يا ابن
أبي سفيان تنسانا |
أما زياد فقد
صحت مناسبه |
|
عندي فلا أبتغي
في الحق بهتانا |
من يسد خيرا
يصبه حين يفعله |
|
أو يسد شرا يصبه
حيثما كانا (١) |
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ٤ / ٧١.