السمحاء ، وأفسدت عقائد المسلمين ، وفرقتهم شيعا وأحزابا.
وليس من شك في أن الخلفاء لو بادروا إلى تدوين ما أثر عن النبي (ص) من الأحاديث لصانوا الأمة من الاختلاف ووقوها من الفتن والخطوب ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك فقد عمد أبو بكر إلى جمع بعض الأحاديث فأحرقها (١) وجاء بعده عمر فاستشار الصحابة في تدوينها فأشار عليه عامتهم بذلك ، ولبث مدة يفكر في الأمر ثم عدل عنه ، وقال لهم : « إني كنت قد ذكرت لكم من كتاب السنن ما قد علمتم. ثم تذكرت ، فاذا أناس من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبا فأكبوا عليها ، وتركوا كتاب الله ، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا. » ثم ترك ذلك وعدل عنه (٢).
وهو تعليل لا يساعده الدليل لأن حديث النبي (ص) لا يشذ عن كتاب الله ، ولا يخالفه بحال من الأحوال ، وليس تدوينه موجبا لهجر القرآن الكريم ، ولا مستلزما للاعراض عنه ، وأكبر الظن أنهم إنما أبوا من تدوينه لأن شطرا كبيرا منه يتعلق فى فضل العترة الطاهرة. وفي لزوم مودتها ، ووجوب الرجوع إليها في جميع المجالات ، وليس من الممكن التبعيض في كتابة الحديث بأن تدون السنن ، وتترك الأخبار الواردة في حق أهل البيت ، ومن الطبيعي أن تدوينها يتنافى مع ابتزازهم حقهم واجماعهم على هضمهم ، واقصائهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها ، وقد بلغ من عظيم وجدهم وحقدهم عليهم ، أنهم لما شعروا أن النبي يريد أن يعهد بالأمر إليهم ويكتب فى ذلك كتابا ردوا عليه وهو في ساعاته الأخيرة فقالوا له : « حسبنا كتاب الله ».
__________________
(١) تذكرة الحفاظ ١ / ٥.
(٢) تقييد العلم ص ٥٠ ، وقريب منه فى طبقات ابن سعد ٣ / ١ ص ٢٠٦.