ومن المضحك ـ وشر البلية ما يضحك ـ أنّ ابن كثير لم يغب عنه ما رواه عبد الرزاق وأحمد والبخاري ، فراوغ في الجمع بين ما ذكره أولاً من خبره الذي رواه ابن خزيمة ، وقوّم تحصيل سماعه ببُدرة ، وبين ما رواه الثلاثة ، فساق خبراً كذباً عقب ما مرّ وهو النص الآتي.
النص الثاني : وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم : حدّثني أبي أنّ أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ، وأنّ محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال : والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة ، ولا سألتها الله في سر ولا علانية ، فقبل المهاجرون مقالته ، وقال علي والزبير : ما أغضبنا إلّا لأنّنا أُخّرنا عن المشورة ، وإنّا نرى أبا بكر أحق الناس بها ، إنّه لصاحب الغار ، وإنّا لنعرف شرفه وخيره ، ولقد أمره رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالصلاة بالناس وهو حي.
ثم قال ابن كثير : وهذا اللائق بعلي رضياللهعنه ، والذي يدلّ عليه الآثار من شهوده معه الصلوات ، وخروجه معه إلى ذي القصة بعد موت رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما سنورده ، وبذله له النصيحة والمشورة بين يديه ، وأما ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة ، وقد ماتت بعد أبيها عليهالسلام بستة أشهر ، فذلك محمول على أنّها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث ، ومنعه إياهم ذلك بالنص عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله : لا نورث ما تركنا فهو صدقة.
أقول : هذا هو الجمع بين الخبرين فيما يراه ابن كثير ، فكل من بايع أبا بكر من المسلمين بايعه مرّة واحدة ، إلّا علي المظلوم فقد بايعه مرّتين ، لك الله يا علي ؟! إنّها لفرية جازت الحد ، ولا تسوى النقد والرد ، وإنّما أشرت إليها لأثبت للقارئ أنّ الخبر الذي رواه ابن خزيمة لا يسوى سماعه بعرة فضلاً عن بدرة ، وما تمسك ابن كثير به إلا لنصبه ، وقد ذكره في كتابه ( السيرة النبوية ) (١) مع غيره من الطامات ما لا سبيل إلى قبولها بأيّ وجه.
_____________________
١ ـ السيرة النبوية ٤ : ٤٩٤.