كافرة ، وقد رأى وفدهم منكم قِلّة ، وإنكم لا تدرون أليْلاً تُؤتَوْن أم نهاراً ، وأدناهم منكم عَلَى بريد ، وقد كان القوم يأمُلون أن نقبل منهم ونُودِعَهم ، وقد أبينا عليهم ، ونبذنا إليهم ، فأعِدّوا واستَعِدّوا.
فخرج عليّ عليهالسلام بنفسه ، وكان على نَقْب من أنقاب المدينة ، وخرج الزّبير وطلحة وعبد الله بن مسعود وغيرهم فكانوا على الأنقاب الثلاثة ، فلم يلبثوا إلّا قليلاً حتى طرق القومُ المدينة غارة مع الليل ، وخلّفوا بعضهم بذي حُسىً ليكونوا ردءً لهم ، فوافوا الأنقاب وعليها المسلمون ، فأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر ، فأرسل إليهم أن الزموا مكانكم ، ففعلوا.
وخرج أبو بكر في جمع من أهل المدينة على النواضح ، فانتشر العدوّ بين أيديهم ، واتّبعهم المسلمون على النواضح حتى بلغوا ذا حُسىً ، فخرج عليهم الكَمين بأنحاء (١) قد نفخوها ، وجعلوا فيها الحبال ثمّ دَهْدَهوها بأرْجُلهم في وجوه الإبل ، فتَدَهْده كلّ نِحْىٍ منها في طِوَله فنفرتْ إبلُ المسلمين ، وهم عليها ـ ولا تنفر الإبلُ من شيء نافرَها من الأنحاء ـ فعاجَت بهم لا يملكونها حتى دخلت بهم المدينة ، ولم يصرع منهم أحد ولم يُصب.
فبات المسلمون تلك الليلة يتهيّئون ، ثمّ خرجوا على تعبية ، فما طلع الفجرُ إلّا وهم والقومُ على صعيد واحد ، فلم يَسمَعوا للمسلمين حَسّاً ولا هَمْساً حتى وضعوا فيهم السيف ، فاقتتلوا أعجاز ليلتهم ، فما ذَرّ قرنُ الشمس إلّا وَلّوا الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم ، ورجعوا إلى المدينة ظافرين (٢).
قلت : هذا هو الحديث الّذي أشار عليهالسلام إلى أنّه نهض فيه أيّام أبي بكر ، وكأنّه جوابٌ عن قول قائل : إنّه عمل لأبي بكر ، وجاهد بين يدي أبي بكر ،
_____________________
١ ـ الأنحاء : جمع نحى ، وهو الزقّ.
٢ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٢٤٤ ( طبعة المعارف ) مع تصرف واختصار.