النص الثامن : قال ابن أبي الحديد (١) في شرح قوله عليهالسلام :
« أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ ، وَمُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ ؛ فلمَّا مَضى صلىاللهعليهوآلهوسلم تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ ؛ فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِي ، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الأمْرَ مِنْ بَعْدِهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَلَا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ ، فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَان يُبَايِعُونَهُ ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْاِسْلَامِ ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ محمّدٍ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْاِسْلَامَ وأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً ، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عليّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْاَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ ».
روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري في التاريخ الكبير أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا مات اجتمعت أسدٌ وغطفانُ وطيئ على طُلَيْحة بن خُويلد إلّا ما كان من خواصّ أقوام في الطوائف الثلاث ، فاجتمعت أسد بسميراء ، وغطفان بجنوب طيبة ، وطيئ في حدود أرضهم ، واجتمعت ثعلبة بن أسد ومن يليهم من قيس بالأبرق من الربذة ، وتأشّب إليهم ناسُ من بني كنانة ، ولم تحملهم البلاد ، فافترقوا فرقتين : أقامت إحداهما بالأبرق ، وسارت الأخرى إلى ذي القصة ، وبعثوا وفوداً إلى أبي بكر يسألونه أن يقارّهم على إقامة الصلاة ومنع الزكاة ، فعزم الله لأبي بكر على الحق ، فقال : لو منعوني عِقالاً لجاهدتهم عليه.
ورجع الوفود إلى قومهم فأخبروهم بقلة من أهل المدينة ، فأطمعوهم فيها ، وعلم أبو بكر والمسلمون بذلك ، وقال لهم أبو بكر : أيّها المسلمون ، إنّ الأرض
_____________________
١ ـ شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٥١ ـ ١٦٨.