قال : وليس لهم أن يقولوا : إنّ التخصيص بأخبار الآحاد يستند أيضاً إلى علم ، وإن كان الطريق مظنوناً ، ويشيروا إلى ما يدّعونه من الدّلالة على وجوب العمل بخبر الواحد في الشريعة ، وأنّه حجّة ، لأنّ ذلك مبنيّ من قولهم على ما لا نسلّمه ، وقد دلّ الدليل على فساده ـ أعني قولهم : خبر الواحد حجة في الشرع ـ على أنّهم لو سلّم لهم ذلك لاحتاجوا إلى دليل مستأنف على أنّه يقبل في تخصيص القرآن ؛ لأنّ ما دلّ على العمل به في الجملة لا يتناول هذا الموضع ، كما لا يتناول جواز النسخ به.
قلت : أمّا قول المرتضى لو سلّمنا أنّ هؤلاء المهاجرين الستّة رووه لما خرج عن كونه خبراً واحداً ، ولما جاز أن يرجع عن عموم الكتاب به ، لأنّه معلوم والخبر مظنون.
ولقائل أن يقول : ليته حصل في كل واحد من آيات القرآن رواية مثل هذه الستة ، حيث جمع القرآن على عهد عثمان ومن قبله من الخلفاء ، فإنّهم بدون هذا العدد كانوا يعملون في إثبات الآية في المصحف ، بل كانوا يحلفون من أتاهم بالآية (١) ، ومن نظر في كتب التواريخ عرف ذلك ، فإن كان هذا العدد إنّما يفيد الظنّ فالقول في آيات الكتاب كذلك ، وإن كانت آيات الكتاب أثبتت عن علم مستفاد من رواية هذا العدد ونحوه ، فالخبر مثل ذلك.
_____________________
١ ـ هذا من أفظع الهذيان الذي ابتلي به المسلمون ، فالقرآن إنّما ثبت بالتواتر وليس بالبيّنة ، وهو كان مجموعاً ومكتوباً على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحسبنا دليلاً على ذلك قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( إنّي تارك ـ مخلّف ـ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ... ) وفيه دلالة على أنّه كان مكتوباً ومجموعاً ، ولو لم يكن كذلك لما صحت الوصية على التمسك به ، إذ لا يصح إطلاق الكتاب عليه ، وهو غير مجموع ومكتوب ، كأن يكون محفوظاً في الصدور أو مكتوباً متفرقاً على العُسب والأكتاف واللخاف. كما تمحل ابن حجر في تفسير الشاهدين على الآية ، كما حكاه عنه السيوطي في الاتقان. وروايات الجمع على عهد الخالفين من بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كلها مخدوشة سنداً ودلالة ، أملتها سياسة الحاكمين.