أي مثله في عظمه وتخويفه ، يتطاير على الكافرين من كل جهة ـ نعوذبالله منه – وهو واحد القصور من البنيان ، والعرب تشبه الابل بالقصور ، وقيل : « كالقصر » أي كاصول الشجر العظام ، ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر فقال : « كأنه جمالت صفر » أي كأنه أنيق سود لما يعتري سوادها من الصفر ، قال الفراء : لا ترى أسود من الابل إلا وهو مشرب صفرة ، ولذلك سمت العرب الابل صفرا ، وقيل هو من الصفرة لان النار تكون صفراء.
وفي قوله تعالى : « إن جهنم كانت مرصادا » يرصدون به ، أي هي معدة لهم يرصد بها خزنتها الكفار ، وقيل : مرصادا محبسا بحبس فيه الناس ، وقيل : طريقا منصوبا على العاصين فهو موردهم ومنهلهم ، وهذا إشارة إلى أن جهنم للعصاة على الرصد لا يفوتونها « للطاغين مآبا » أي للذين جازوا حدود الله وطغوافي معصية الله مرجعا يرجعون إليه ومصيرا ، فكأن المجرم قد كان باجرامه فيها ثم رجع إليها « لابثين فيها أحقابا » أي ماكثين فيها أزمانا كثيرة ، وذكر فيه أقوال : أحدها أن المعنى : أحقابا لا انقطاع لها ، كلمامضى حقب جاء بعده حقب آخر ، والحقب : ثمانون سنة من سني الآخرة.
وثانيها أن الاحقاب ثلاثة وأربعون حقبا ، كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعما ئة سنة ، كل سنة ثلاث مائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة ، عن مجاهد.
وثالثها أن الله تعالى لم يذكر شيئا إلا وجعل له مدة ينقطع إليها ، ولم يجعل لاهل النار مدة بل قال : « لابثين فيها أحقابا » فوالله ماهو إلا أنه إذا مضى حقب دخل حقب آخر ، ثم آخر كذلك إلى أبدالآ بدين ، فليس للاحقاب عدة إلا الخلود في النار ولكن قد ذكروا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة ، كل يوم من تلك السنين ألف سنة مما نعده.
ورابعها أن المعنى : لابثين فيها أحقابا لا يذوقون في تلك الاحقاب إلا حميما و غساقا ، ثم يلبثون يذوقون فيها غيرالحميم والغساق من أنواع العذاب ، فهذا توقيت لانواع العذاب لا لمكثهم في النار وهذا أحسن الاقوال.