الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) (١).
( إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ) (٢) جمعُ مُسَحَّرٌ ـ كمُظَفَّر ـ وهُوَ الّذي سُحِرَ كثيراً حتَّى تَخَبَّل وغُلِبَ على عَقْلِهِ ، أَو مِنَ المخدُوعينَ ، أَو منَ المخلُوقينَ المُعَلَّلِينَ بالأَكْلِ والشُّربِ ، أو الَّذينَ لَهُم سَحْرٌ أَي رِئَةٌ.
( قالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ) (٣) أَي العَالِمُ المَاهِرُ ، ولم يكُنِ السِّحْرُ عندَهُم ذَمّاً بل كَانُوا يَسْتَعْظِمُونَهُ ؛ ولهذَا قالوا : ( إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ ) (٤) ، أَو كانُوا بَعْدُ على كُفرِهِم فسَمَّوهُ سَاحراً.
الأثر
( إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً ) (٥) أَي بعضُ البيانِ سِحْرٌ ؛ لأَنَّ صاحِبَهُ يُوضحُ المشكِلَ ويكشِفُ عن حقيقَتِهِ بحُسْنِ بيَانِهِ ولَطِيفِ عِبارَتِهِ ويَقدرُ على تَحسِينِ القَبيحِ وتَقبيحِ الحَسَنِ ، يَسخَطُ تارةً فيقولُ أَسوأَ ما يُمْكِنُ ، ويَرضَى تَارةً فيقولُ أَحسَنَ ما يُعْلَم ، ثمّ به يُستمالُ القلوبُ ويُرضَى (٦) السَّاخِطُ ويُستَنْزَلُ الضَّيفُ ، ولذلكَ قالُوا : هوَ السِّحرُ الحَلَالُ.
وقيل : أَورَدَهُ مورِدَ الذَّمِّ ؛ لشَبَهِهِ بعملِ السِّحْرِ في قَلْبِهِ القُلوبَ وجَلْبِهِ الأَفئدةَ وتَزيينِهِ القبيحَ وتَقبيحِهِ الحَسَنَ.
( بَيْنَ سَحْرِي ونَحْرِي ) (٧) هيَ الرِّئَةُ ، والمرادُ الموضِعُ المُحَاذي للسَّحْرِ من جَسَدِهَا. وقال الدَّاوديُّ : سَحْرُها مَا بينَ ثَدْيَيْهَا ، وهو تفسيرٌ على التّقريبِ.
ورُوي : « شَجْرِي » بالشِّينِ المعجَمَة (٨) ، قالَ الأصمعيُّ : هُوَ الذَّقَنُ بعينِهِ ؛ حيثُ اشتَجَرَ طَرَفَا اللَّحْيَيْنِ من أسفلَ. وقيلَ : هُوَ التَّشبِيكُ ، تريدُ أنَّها ضَمَّتْهُ بيدَيْهَا إلى نَحْرِها مُشَبِّكَةً بينَ أَصَابِعِها (٩).
__________________
(١) يونس : ٣٢.
(٢) الشّعراء : ١٥٣.
(٣) و (٤) الزّخرف : ٤٩.
(٥) الفائق ٣ : ١٤٥ ، غريب الحديث لابن الجوزي ١ : ٤٦٥ ، النّهاية ٢ : ٣٤٦.
(٦) في النّهاية : وتَرَضَّى.
(٧) غريب الحديث للهروي ٢ : ٣٥٦ ، الفائق ١ : ٢٠٤ ، النّهاية ٢ : ٣٤٦.
(٨) غريب الحديث لابن قتيبة ٢ : ١٦٢.
(٩) عنه في الفائق ١ : ٢٠٤.