الكتاب
( لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً ) (١) هي الأبنِيةُ ؛ لأَنَّ أَرضَهُم لا يثبُتُ عليها بناءٌ ، أَو لأَنَّهُم لم يعلَمُوا صنعةَ بِنَاءِ البُيُوتِ ، فلَمْ يكُنْ لهُم ما يمنَعُ شُعاعَ الشَّمسِ ويدفَعُ حَرَّها عنهُم ، بل إِذا طَلَعَتِ الشَّمسُ دخَلُوا فِي أَسْرَابٍ لَهُم وإِذا غَرَبَت خَرَجُوا واشتَغَلُوا بتحصيلِ المعاشِ ، فحالُهُم بالضِّدِّ من أَحوالِ سَائِرِ الخَلقِ. وعن مُجَاهِدٍ : إنَ السِّتْرَ اللِّباسُ ، وإِنَّهُم عُرَاةٌ (٢).
( حِجاباً مَسْتُوراً ) (٣) ذَا سَتْرٍ ؛ كمَرْطُوبٍ أَي ذُو رُطُوبَةٍ ، ومَهُولٍ أَي ذُو هَوْلٍ. وقال الأخفَشُ : هو مَفْعُولٌ بمعنى فَاعِل ؛ كمَشُؤُوم ومَيْمُون (٤). أَو هُو حجابٌ يخلُقُه في أَعيُنِهِم يمنَعُهُم عنْ رؤيةِ النّبِيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك الحِجابُ شيءٌ غيرُ مرئيٍّ ، فهُوَ مَسْتُورٌ ، أَو المُرادُ حِجابٌ مِنْ دُونِهِ حِجَابٌ أَو حُجُبٍ ، فهُوَ مستُورٌ بغيرِهِ ، أَو حِجَابٌ يَسْتُرُ أَنْ يُبْصَرَ ، فكيفَ يُبْصِرُ المُحْتَجِبُ بِهِ؟.
( وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ ) الآية (٥) أَي ما كانَ اسْتِتَارُكُم في الدُّنيا عندَ ارتِكَابِ الفواحِشِ مخافةَ أَنْ تشهَدَ جَوارِحُكُم بذلكَ كما كُنتُم تستَتِرُونَ منَ النَّاسِ مخافَةَ الفَضِيحَةِ بينَهُم ، بل لم يَكُن في اعتِقَادِكُم أَنَّها تَشْهَدُ عليكُمْ.
الأثر
( إِنَّ اللهَ حَيِيٌ سَتِيرٌ ) (٦) فَعِيلٌ بمعنَى فَاعِل ، مَثَّلَ تَركَهُ تعالى فضيحةَ عبدِهِ إذا ارتَكَب معصيةً بتَرْكِ مَنْ يترُكُ فضيحةَ مَنْ يَرَاهُ عَلَى فاحِشَةٍ حَياءً منه وسَتْراً لَهُ.
( وكَانَ رَجُلاً سِتِّيراً ) (٧) كسِكِّينٍ أَو
__________________
(١) الكهف : ٩٠.
(٢) انظر غرائب القرآن ( تفسير النّيسابوري ) ٤ : ٤٥٩.
(٣) الإسراء : ٤٥.
(٤) انظر معاني القرآن للأخفش : ٥١٨.
(٥) فصلت : ٢٢.
(٦) مسند أَحمد ٤ : ٢٢٤ ، سنن النّسائي ١ : ٢٠٠ ، سنن أَبي داود ٤ : ٣٩ / ٤٠١٢ ، النّهاية ٢ : ٣٤١.
(٧) مسند أحمد ٢ : ٥١٥ ، البخاري ٤ : ١٩٠ ، سنن التّرمذي ٥ : ٣٨ / ٣٢٧٤.