ويهيّأ ، وآخر لعلاج ذلك وتهيئته وتفريقه ، وآخر لتنظيف ما في الدار من الأقذار و إخراجه منها ؛ فالملك في هذا هو الخلّاق الحكيم ملك العالمين ، والدار هي البدن ، والحشم هي الأعضاء ، والقوّام هي هذه القوي الأربع ، ولعلّك ترى ذكرنا هذه القوى الأربع وأفعالها بعد الّذي وصفت فضلاً وتزداداً ، وليس ما ذكرته من هذه القوى على الجهة الّتي ذكرت في كتب الأطبّاء ، ولا قولنا فيه كقولهم ، لأنّهم ذكروها على ما يحتاج إليه في صناعة الطبِّ وتصحيح الأبدان ، وذكرناها على ما يحتاج في صلاح الدين وشفاء النفوس من الغيّ ، كالّذي أوضحته بالوصف الشافي والمثل المضروب من التدبير والحكمة فيها .
تبيان : الطعم بالضمّ الأكل . والكرى : السهر . والجمام بالفتح : الراحة ، يقال : جمَّ الفرس جمّاً وجماماً إذا ذهب إعياؤه . والشبق بالتحريك : شدّة شهوة الجماع . وتوانى في حاجته أي قصَّر . ولا يحفل به أي لا يبالي به . وتحدر الثفل كتنصر أي ترسل . وقوله عليهالسلام : ولولا الجاذبة يدلُّ على أنَّ لها مدخلاً في شهوة الطعام . قوله عليهالسلام : خلله كأنّه بالضمِّ جمع الخلّة وهي الحاجة ، أو بالكسر أي الخلال والفرج الّتي حصلت في البدن بتحلّل الرطوبات . قوله عليهالسلام : ولعلّك ترى يحتمل أن يكون الغرض دفع توهُّم السائل كون ذكر التمثيل بعد ذكر القوى ومنافعها على الوجه الّذي ذكره الأطبّاء و اكتفوا به إطناباً وتكراراً ، وحاصله أنَّ الأطبّاء إنّما ذكروها على ما يحتاجون إليه في صناعتهم من ذكر أفعال تلك القوى وسبب تعطّلها ، ولذا لم يحتاجوا إلى ذكر ما أوردنا من التمثيل ، ونحن إنّما ذكرنا هذا التمثيل لتتّضح دلالتها على صانعها ومدبّرها ، إذ هذه مقصودنا من ذكرها . ويحتمل أن يكون الغرض رفع توهّم أنَّ ذكره هذه القوى بعد كونها مذكورةً في كتب الأطبّاء فضل لا حاجة إليه بأنَّ الغرض مختلف في بياننا و بيانهم وبذلك يختلف التقرير أيضاً فلذا ذكرنا ههنا بهذه التقرير الشافي ، فالضمير في قوله : وصفت على بناء المجهول راجعٌ إلى القوى ، والعائد مخذوف ، أي وصفت به لكنّه بعيد .
تأمّل يا مفضّل هذه
القوى الّتي في النفس وموقعها من الإنسان ، أعني الفكر والوهم والعقل والحفظ وغير ذلك ، أفرأيت لو نقص الأنسان من هذه الخلال الحفظَ