على القلوب بالتوسّل إليه والتقرّب به ، فإنَّ العقول لا تهتدي إليه إلّا بأنوار فيضه تعالى واعرفوا الرسول بتكميله إيّاكم برسالته ، وبمتابعته فيما يؤدّي إليكم من طاعة ربّكم فإنَّها توجب الروابط المعنويّة بينكم وبينه ، وعلى قدر ذلك يتيسّر لكم من معرفته ، وكذا معرفة اُولي الأمر إنّما تحصل بمتابعتهم في المعروف والعدل والإحسان و باستكمال العقل بها .
الثالث : أن يكون المراد ما يعرف بها من الأدلّة والحجج ، فمعنى اعرفوا الله بالله أنّه إنّما تتأتّى معرفته لكم بالتفكّر فيما أظهر لكم من آثار صنعه وقدرته وحكمته بتوفيقه وهدايته ، لا بما اُرسل به الرسول من الآيات والمعجزات فإنَّ معرفتها إنّما تحصل بعد معرفته تعالى ، واعرفوا الرسول بالرسالة أي بما اُرسل به من المعجزات والدلائل أو بالشريعة المستقيمة الّتي بعث بها ، فإنّها لانطباقها على قانون العدل والحكمة يحكم العقل بحقّيّة من اُرسل بها ، واعرفوا اُولي الأمر بعلمهم بالمعروف ، وإقامة العدل و الإحسان ، وإتيانهم بها على وجهها ، وهذا أقرب الوجوه ؛ ويؤيّده خبر سلمان وكذا خبر ابن حازم ، إذ الظاهر أنّ المراد به أنّ وجوده تعالى أظهر الأشياء ، وبه ظهر كلُّ شيء ، وقد أظهر الآيات للخلق على وجوده وعلمه وقدرته ، وأظهر المعجزات حتّى علم بذلك حقّيّة حججه عليهمالسلام ، فالعباد معروفون به ، ولا يحتاج في معرفة وجوده إلى بيان أحد من خلقه . ويمكن أن يقرأ « يعرفون » على بناء المعلوم أيضاً .
وأمّا ما ذكره الصدوق رحمه الله فيرجع إلى أنَّ المعنى أنَّ جميع ما يعرف الله به ينتهي إليه سبحانه . ويرد عليه أنّه على هذا تكون معرفة الرسول واُولي الأمر أيضاً بالله فما الفرق بينهما وبين معرفة الله في ذلك ؟ وأيضاً لا يلائمه قوله : اعرفوا الله بالله ، إلّا أن يقال : الفرق باعتبار أصناف المعرفة ، فالمعرفة بالرسالة صنف من المعرفة بالله ، والمعرفة بالمعروف صنف آخر منها ، ومعرفة الله فيها أصناف لا اختصاص لها بصنف ، والمراد باعرفوا الله بالله : حصّلوا معرفة الله الّتي تحصل بالله ؛ هكذا حقّقه بعض الأفاضل . ثمَّ إنّ في كلامه تشويشاً وتناقضاً ، ولعلّ مراده أخيراً نفي معرفة صفاته الكماليّة حقّ معرفتها بدون إرسال الرسل ونصب الحجج إلّا أنَّ التصديق بوجوده تعالى يتوقّف على ذلك وإن كان بعض كلماته يدلّ عليه .