ستّين فلساً ، ويكون بالأجزاء كثيراً ، وكذلك يكون العبد عبداً واحداً ولا يكون عبدين بوجه ، ويكون شخصاً واحداً ولا يكون شخصين بوجه ، ويكون أجزاءاً كثيرة وأبعاضاً كثيرة ، وكلّ بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متّحدة اتّحد بعضها ببعض وتركّب بعضها مع بعض ، ولا يكون العبد واحداً وإن كان كلّ واحد منه في نفسه إنّما هو عبد واحد ، وإنّما لم يكن العبد واحداً لأنّه ما من عبد إلّا وله مثل في الوجود أو في المقدور ، وإنّما صحّ أن يكون للعبد مثل لأنّه لم يتوحّد بأوصافه الّتي من أجلها صار عبداً مملوكاً ، ووجب لذلك أن يكون الله عزَّ وجلَّ متوحّداً بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى ليكون إلهاً واحداً فلا يكون له مثل ويكون واحداً لا شريك له ولا إله غيره ، فالله تبارك وتعالى إله واحد لا إله إلّا هو ، وقديم واحد لا قديم إلّا هو ، وموجود واحد ليس بحالّ ولا محلّ ، ولا موجود كذلك إلّا هو ، وشيء واحد لا يجانسه ولا يشاكله شيء ولا يشبهه شيء ، ولا شيء كذلك إلّا هو ، فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم ، وشيءٌ لا يشبهه شيء بوجه ، وإله لا إله غيره بوجه ، وصار قولنا : يا واحد يا أحد في الشريعة اسماً خاصّاً له دون غيره ، لا يسمّى به إلّا هو عزَّ وجلَّ ، كما أنّ قولنا : الله اسم لا يسمّى به غيره .
وفصل آخر في ذلك وهو أنَّ الشيء قد يعدّ مع ما جانسه وشاكله وماثله ، يقال : هذا رجل ، وهذان رجلان ، وثلاثة رجال . وهذا عبد ، وهذا سواد ، وهذا عبدان ، و هذا سوادان . ولا يجوز على هذا الأصل أن يقال : هذان إلهان إذ لا إله إلّا إله واحد ، فالله لا يعدّ على هذا الوجه ، ولا يدخل في العدد من هذا الوجه بوجه . وقد يعدّ الشيء مع ما لا يجانسه ولا يشاكله ، يقال : هذا بياض ، وهذان بياض وسواد ، وهذا محدَث ، و هذان محدَثان ، وهذان ليسا بمحدَثين ولا بمخلوقين . بل أحدهما قديم والآخر محدَث ، وأحدهما ربٌّ والآخر مربوب ، فعلى هذا الوجه يصحّ دخوله في العدد ، وعلى هذا النحو قال الله تبارك وتعالى : « مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا » الاية . وكما أنَّ قولنا : فلان إنّما هو رجل واحد لا يدلُّ على فضله بمجرّده كذلك قولنا : فلان ثاني فلان لا يدلّ بمجرّده إلّا على كونه ، وإنّما يدلُّ على فضله متى قيل : إنّه ثانية في الفضل ، أو في الكمال ، أو العلم .
________________________
(١) المجادلة : ٧ .